قال الإمام الغزالي : أشار به إلى أن كل من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة دل على أنه ولد الزنى وفي حديث المعراج "قلت لمالك أرني جهنم، فقال : لا تطيق على ذلك، فقلت مثل سم الخياط فقال : انظر، فنظرت فرأيت قوماً على صورة القردة قال هم القتاتون" أي : النمامون وفرق بعضهم بين القتات والنمام بأن النمام هو الذي يتحدث مع القوم والقتات هو الذي يتسمع على القوم وهم لا يعلمون ثم ينم كذا في "شرح المصابيح" روي أن الحسن البصري جاء إليه رجل بالنميمة، وقال : إن فلاناً وقع فيك، فقال له الحسن : متى قال؟ قال اليوم قال أين رأيته قال في منزله قال ما كنت تصنع في منزله قال كانت له ضيافة قال ماذا أكلت في منزله، قال كيت وكيت حتى عدد ثمانية ألوان من الطعام، فقال الحسن : يا هذا قد وسع بطنك ثمانية ألوان من الطعام ألا وسع حديثا واحداً قم من عندي يا فاسق.
وفيه إشارة إلى أن النمام ينبغي أن يبغض ولا يوثق بصداقته.
وذكر أن حكيماً من الحكماء زاره بعض إخوانه وأخبره بخبر عن غيره فقال له الحكيم قد أبطأت في الزيارة وأتيتني بثلاث جنايات بغضت إليّ أخي وشغلت قلبي الفارغ واتهمت نفسك الأمينة كذا في "الروضة" و"الأحياء" وهذا عادة الإخوان خصوصاً في هذا الزمان سامحهم الله الملك الديان.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢
فعلى العاقل حفظ اللسان وحفظ الجوارح من مساوىء الكلام وأنواع الآثام فإن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٢
﴿وَمِنْهُمُ﴾ أي من المنافقين.
﴿مَن يَقُولُ﴾ لك يا محمد.
﴿ائْذَن لِّي﴾ في القعود عن غزوة تبوك ﴿وَلا تَفْتِنِّى﴾ من فتنه يفتنه أوقعه في الفتنة كفتنه وافتتنه يلزم ويتعدى كما قال في "تاج المصادر" الفتون والفتن (دوفتنه افكندن وفتنه شدن) والمعنى لا توقعني في الفتنة وهي المعصية والإثم يريد إني متخلف لا محالة أذنت أو لم تأذن فائذن لي حتى لا أقع في المعصية بالمخالفة أو لا تلقني في الهلكة فإني إن خرجت
٤٤٤
معك هلك مالي وعيالي لعدم من يقوم بمصالحهم.
﴿إِلا﴾ (بدانكه) ﴿فِى الْفِتْنَةِ﴾ أي : في عينها ونفسها وأكمل أفرادها.
﴿سَقَطُوا﴾ لا في شيء مغاير لها وهي فتنة التخلف ومخالفة الرسول وظهور النفاق.
يعني إنهم وقعوا فيما زعموا أنهم محترزون عنه فالفتنة هي التي سقطوا فيها لا ما احترزوا عنه من كونهم مأمورين بالخروج إلى غزوة تبوك.
﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُا بِالْكَـافِرِينَ﴾ معطوف على الجملة السابقة داخل تحت التنبيه أي جامعة للمنافقين وغيرهم من الكفار يوم القيامة من كل جانب، أي : إنهم يدخلون جهنم لا محالة لأن الشيء إذا كان محيطاً بالإنسان فإنه لا يفوته كما في الحدادي أو جامعة لهم الآن لإحاطة أسبابها من الكفر والمعاصي.
وقيل : تلك المبادي المتشكلة بصور الأعمال والأخلاق هي النار بعينها ولكن لا يظهر ذلك في هذه النشأة وإنما يظهر عند تشكلها بصورها الحقيقة في النشأة الآخرة وقس عليها الأعمال والأخلاق المرضية ألا ترى أن دم الشهيد يتشكل بصورة المسك فلا يفوح منه إلا المسك كما ورد في الشرع.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٤
وقال بعضهم : هذه الآية نزلت في جد بن قيس من المنافقين دعاه النبي عليه السلام إلى الخروج إلى العدو وحرضه على الجهاد "فقال له يا جد بن قيس هل لك في جلاد بني الأصفر" يعني : طوال القدّ منهم فإن الجلاد من النخل هي الكبار الصلاب "تتخذ منهم سراري ووصفاء" فقال جد ائذن لي في القعود ولا تفتني بذكر نساء الروم، فإنه قد علمت الأنصار أني رجل مولع بالنساء أي مفرط في التعلق بهن فأخشى إن ظفرت ببنات الأصفر لا أصبر عنهن فأواقعهن قبل القسمة فأقع في الفتنة والإثم فلما سمع النبي عليه السلام قوله اعرض عنه وقال :"أذنت لك" ولم يقبل الله تعالى عذر جد وبين أنه قد وقع في الفتنة بمخالفة النبي عليه السلام، والمراد ببني الأصفر الروم وهم جيل من ولد روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، والوجه في تسمية الروم ببني الأصفر أن ملوك الروم انقضوا في الزمان الأول فبقيت منهم امرأة فتنافسوا في الملك حتى وقع بينهم شر عظيم فاتفقوا على أن يملكوا أول من أشرف عليهم فجلسوا مجلساً لذلك وأقبل رجل من اليمن معه عبد له حبشي يريد الروم فأبق العبد فأشرف عليهم فقالوا انظروا في أي شيء وقعتم فزوجوه تلك المرأة فولدت غلاماً فسموه الأصفر فخاصمهم المولى فقال صدق أنا عبده فأرضوه، فلذلك قيل للروم بنو الأصفر لأن عيصو بن إسحاق كان به صفرة وهو جدهم وقيل إن الروم بن عيصو هو الأصفر وهو أبوهم وأمه نسمة بنت إسماعيل عليه السلام وليس كل الروم من ولد بني الأصفر فإن الروم الأول فيما زعموا من ولد يونان بن يافث بن نوح عليهم السلام انتهى.