وقيل : قيل لهم بنو الأصفر لأن جدهم روم بن عيصو بن إسحاق بن إبرهيم تزوج بنت ملك الحبشة فجاء لون ولده بين البياض والسواد فقيل له الأصفر وقيل لأولاده بنو الأصفر.
وقيل : لأن جيشاً من الحبشة غلب على ناحيتهم في وقت فوطىء نساءهم فولدت أولاداً صفراء بين سواد الحبشة وبياض الروم.
حكي عن بعض العارفين أنه رأى النبي عليه السلام في المنام فقال يا رسول الله إني أريد أن أتوجه إلى الروم
٤٤٥
فقال عليه السلام الروم لا يدخله المعصوم فاختلج في صدره أن في الروم العلماء والصلحاء والأولياء أكثر من أن يحصى ثم تتبع فوجد أن المراد من المعصوم الأنبياء وأما هؤلاء فيسمون المحفوظين الكل من "أنوار المشارق" وثبت في الصحيح إنه "لا يبقى مسلم وقت قيام الساعة" لكن يكون الروم وهم قوم معروف أكثر الكفرة في ذلك الوقت كما كانوا اليوم أكثرهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٤
ثم إن القعود عن الغزو من بخل الرجل وهو من أذم الصفات.
قال إبراهيم بن أدهم : إياك والبخل قيل وما البخل قال أما البخل عند أهل الدنيا فهو أن يكون الرجل شحيحاً بماله وأما الذي عند أهل الآخرة فهو الذي يبخل بنفسه عن الله تعالى ألا وإن العبد إذا جاد بنفسهتعالى أورث قلبه الهدى والتقى وأعطاه السكينة والوقار والعلم الراجح والعقل الكامل.
فعلى العاقل الجود بماله ونفسه في الجهاد الأصغر والأكبر حتى ينال الرضى من الله تعالى والجود من أمدح الصفات.
وحكي عن أبي جهيم بن حذيفة قال انطلقت يوم تبوك أطلب عمي ومعي ماء أردت أن أسقيه إن كان به رمق فرأيته ومسحت وجهه فقلت له أسقيك الماء فأشار برأسه نعم فإذا رجل يقول آه من العطش فأومى برأسه أن اذهب إليه فإذا هو هشام بن العاص فقلت اسقيك قال : نعم فلما دنوت منه سمعت صوتاً يقول آه من العطش فأشار إلى أن اذهب به إليه فذهبت فإذا هو ميت فرجعت بالماء إلى هشام فإذا هو ميت فرجعت إلى عمي فإذا هو ميت كذا في "خالصة الحقائق".
قال الحافظ الشيرازي قد سره :
فداى دوست نكرديم عمرو مال دريغ
كه كار عشق زما اين قدر نمى آيد
قال السعدي قدس سره :
اكر كنج قارون بنك آورى
نماند مكر آنه بخشى برى
﴿إِن تُصِبْكَ﴾ في بعض غزواتك ﴿حَسَنَةٌ﴾ ظفر وغنيمة كيوم بدر.
﴿تَسُؤْهُمْ﴾ تلك الحسنة أي تورثهم يعني المنافقين مساءة وحزناً لفرط حسدهم وعداوتهم لك.
﴿وَإِن تُصِبْكَ﴾ في بعضها ﴿مُّصِيبَةٍ﴾ جراحة وشدة كيوم أحد أو قتل وهزيمة على أن يكون المراد بالخطاب المؤمنين كما يدل عليه ما بعد الآية من إيراد ضمائر المتكلم مع الغير وإلا فمن قال إن النبي عليه السلام هزم في بعض غزواته يستتاب فإن تاب فيها ونعمت وإلا قتل لأنه نقص ولا يجوز ذلك عليه خاصة إذ هو على بصيرة من أمره ويقين من عصمته كما في "هدية المهديين" نقلاً عن القاضي عبد الله بن المرابط ﴿يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَآ أَمْرَنَا﴾ (احتياط كار خودرا) ﴿مِن قَبْلُ﴾ أي : من قبل إصابة المصيبة : يعني (دور انديشى كرديم وبدين حرب نرفتيم) ﴿وَيَتَوَلَّوا﴾ أي : يدبروا عن مجلس الاجتماع والتحدث إلى أهاليهم.
﴿وَّهُمْ فَرِحُونَ﴾ بما صنعوا من الاعتزال عن المسلمين والقعود عن الحرب والجملة حال من الضمير في يقولوا أو يتولوا لا من الأخير فقط لمقارنة الفرح لهما معاً.
﴿قُلِ﴾ بياناً لبطلان ما بنوا عليه مسرتهم من الاعتقاد.
﴿لَّن يُصِيبَنَآ﴾ أبداً ﴿إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ﴾ في اللوح المحفوظ.
﴿لَنَآ﴾ اللام للتعليل، أي : لأجلنا من خير وشر وشدة ورخاء لا يتغير بموافقتكم ومخالفتكم وأمور العباد لا تجري إلا على تدبير قد أحكم وأبرم ﴿هُوَ مَوْلَـانَا﴾ ناصرنا ومتولي أمورنا.
﴿وَعَلَى اللَّهِ﴾
٤٤٦
وحده وهو من تمام الكلام المأمور به ويجوز أن يكون ابتداء كلام من الله تعالى.
﴿فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ التوكل تفويض الأمر إلى الله تعالى والرضى بما فعله وإن كان ذلك بعد ترتيب المبادي العالية والمعنى إن حق العبد أن يتوكل على مولاه ويبتغي رضوانه ويعتقد أنه لن يصيبه شيء من الأشياء إلا ما قدر له.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٤
ير ما كفت خطا بر قلم صنع نرفت
آفرين بر نظر اك خطا وشش باد
وفي الحديث :"إن العبد لا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٤