﴿قُلِ﴾ للمنافقين ﴿هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ﴾ التربص التمكث مع انتظار مجيء شيء خيراً كان أو شراً والباء للتعدية وإحدى التاءين محذوفة إذ الأصل تتربصون.
والمعنى ما تنتظرون بنا.
﴿إِلا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ﴾ أي : العاقبتين اللتين كل واحدة منهما من حسنى العواقب وهما النصر والشهادة وهذا نوع بيان لما أبهم في الجواب الأول وكشف لحقيقة الحال بإعلام أن ما يزعمونه مضرة للمسلمين من الشهادة أنفع مما يعدونه منفعة من النصر والغنيمة.
والمعنى فما تفرحون إلا بما نلنا مما هو أحسن العواقب وحرمانكم من ذلك فأين أنتم من التيقظ والعمل بالحزم كما زعمتم وفي الحديث :"يضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرج إلا إيماناً بالله وتصديقاً برسوله، أن يدخله الجنة، أو يرجعه إلى منزله الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة".
دولت اكر مدد دهده امنش آورم بكف
كربكشد زهى طرب وربكشد زهى شرف
﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ﴾ أحد السوءيين من العواقب ﴿أَن يُصِيبَكُمُ اللَّهُ﴾ (آكه برساند خداى تعالى بشما).
﴿بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ﴾ كما أصاب من قبلكم من الأمم المهلكة من الصيحة والرجفة والخسف وكون العذاب من عند الله عبارة عن عدم كونه بأيدي العباد.
﴿أَوِ﴾ بعذاب ﴿بِأَيْدِينَا﴾ وهو القتل بسبب الكفر.
﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ الفاء فصيحة أي إذا كان الأمر كذلك فتربصوا بنا ما هو عاقبتنا ﴿إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ﴾ ما هو عاقبتكم فإذا لقي كل منا ومنكم ما يتربصه لا تشاهدون إلا ما يسرنا ولا نشاهد إلا ما يسوؤكم وفي الحديث :"مثل المؤمن مثل السنبلة تحركها الريح، فتقوم مرة وتقع أخرى ومثل الكافر مثل الأرزة لا تزال قائمة حتى تنقعر" أي : تنقطع يقال قعر الشجرة قلعها من أصلها فانقعرت.
والأرزة شجر يشبه الصنوبر يكون بالشام وبلاد الأرمن وقيل : هو شجر الصنوبر : يعني (مؤمن را عيش خوش نبودشادى باغم ونعمت باشدت ودرستى بابيمارى ونين بسيار بماند وكافر تن درست ودل خوش بودلكن بيك كرت بسراندر آيد وهلاك شود)، وفي الحديث :"من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة" يعني، أن الولي وهو المؤمن المطيع ينصر الله تعالى فيكون الله ناصره فمن عادى من كان الله ناصره فقد بارز بمحاربة الله وكل كافر ومنافق فهو مهين الأولياء وإهانتهم بذر محصوله الهلاك والاستئصال وفي "المثنوي" :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٧
قصه عاد وثمود ازبره يست
تابدانى كانبيا را ناز كيست
اين نشان خسف وقذف وصاعقه
شد بيان عز نفس ناطقه
جمله حيوانرا ى انسان بكش
جمله انسانرا بكش ازبهر هش
هش ه باشد عقل كل هو شمند
هوش جزئي هش بود اما نند
٤٤٧
وقد ذم الله المنافقين بتغيير الحال وعدم مواطأة الحال بالمقال وفي الحديث :"لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه" وفي الحديث :"طوبى لمن طاب كسبه، وصلحت سريرته، وكرمت علانيته، وعزل عن الناس شره" وفي الحديث :"من شر الناس ذو الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه آخر ومن كان ذا وجهين في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار" كما في "أبكار الأفكار".
﴿قُلِ﴾ جواباً لجد بن قيس من المنافقين وهو قد استأذن في التخلف عن غزوة تبوك وقال أعينك بمالي.
﴿أَنفَقُوا﴾ أيها المنافقون أموالكم في سبيل الله حال كونكم ﴿طَوْعًا﴾ أي طائعين من قبل أنفسكم ﴿أَوْ كَرْهًا﴾ أو كارهين مخافة القتل كما في الحدادي.
وقال في "الإرشاد" :"طوعاً" أي من غير إلزام من جهته عليه السلام ولا رغبة من جهتكم أو هو فرضي لتوسيع الدائرة انتهى أي فلا يخالفه قوله :﴿وَلا يُنفِقُونَ إِلا وَهُمْ كَـارِهُونَ﴾ كما سيأتي ﴿لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ﴾ يحتمل أن يكون المراد منه أنه عليه السلام لا يقبله منهم بل يرد عليهم ما يبذلونه أو أنه تعالى لا يقبله منهم ولا يثيبهم عليه قوله أنفقوا أمر في معنى الخبر، أي أنفقتم وذلك لأن قوله لن يتقبل منكم يأبى عن حمله على معناه الظاهر إذ لا وجه لأن يؤمر بشيء ثم يخبر بأنه عبث لا يجدي نفعاً بوجه ما.
روي أنه لما اعتذر من الخروج لامه ولده عبد الله عنه وقال له : والله لا يمنعك إلا النفاق وسينزل الله فيك قرآناً فأخذ نعله وضرب به وجه ولده فلما نزلت الآية قال له : ألم أقل لك، فقال له اسكت يا لكع فوالله لأنت أشد عليّ من محمد، ثم علل رد إنفاقهم بقوله ﴿إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْمًا فَـاسِقِينَ﴾ أي : كافرين فالمراد بالفسق ما هو الكامل منه لا الذي هو دون الكفر كما قال الكاشفي (بدرستى كه شماهستيد كروهى بيرون رفتكان ازدائره اسلام ونفقه كافر قبول نيست) فالتعليل هنا بالفسق وفيما بعده بالكفر حيث قال ألا إنهم كفروا بالله واحد.
روي أنه تاب من النفاق وحسنت توبته ومات في خلافة عثمان رضي الله عنه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٤٧


الصفحة التالية
Icon