واعلم : أن سهم المؤلفة قلوبهم ساقط بإجماع الصحابة لما أن ذلك كان لتكثير سواد الإسلام فلما أعزه الله وأعلى كلمته استغنى عن ذلك، كما قال عمر رضي الله عنه : في زمن خلافة أبي بكر رضي الله عنه :"الإسلام أعز من أن يرشى عليه، فإن ثبتم على الإسلام بغير رشوة فبها وإلا فبيننا وبينكم السيف" فبقيت المصارف السبعة على حالها، فللمتصدق أن يدفع صدقته إلى كل واحد منهم وأن يقتصر على صنف منهم بل لو صرف إلى شخص واحد منهم جاز فإن اللام في للفقراء لبيان أنهم مصارف لا يخرج عنهم كما يقال الخلافة لبني العباس وميراث فلان لقرابته، أي : ليست الخلافة لغيرهم لا أنها بينهم بالسوية فاللام لام الاختصاص لا التمليك لعدم جواز التمليك للمجهول.
قال مشايخنا : من أراد أن يتصدق بدرهم يبتغي فقيراً واحداً ويعطيه ولا يشتري به فلوساً ويفرقها على المساكين كما في "المحيط" وكذلك الأفضل في الفطر أي يؤدي صدقة نفسه وعياله إلى واحد كما فعله ابن مسعود كما في التمرتاشي وكره دفع نصاب أو أكثر إلى فقير غير مديون أما إذا كان مديوناً أو صاحب عيال أو إذا فرق عليهم لم يخص كلاً منهم نصاب فلا يكره كما في "الأشباه".
وقوله : كره أي جاز مع الكراهة أما الجواز فلان الأداء يلاقي
٤٥٤
الفقر لأن الزكاة إنما تتم بالتمليك وحالة التمليك المدفوع إليه فقير وإنما يصير غنياً بعد تمام التمليك فيتأخر الغنى عن التمليك ضرورة فيجوز، وأما الكراهة فلأن الانتفاع به صادف حال الغنى ولو صادف حال الفقر لكان أكمل وندب دفع ما يغني عن السؤال يومه لقوله عليه السلام "أغنوهم عن المسألة" والسؤال ذل فكان فيه صيانة المسلم عن الوقوع فيه ولا يسأل من له قوت يومه لأن في السؤال ذلاً ولا يحل للمسلم أن يذل نفسه وبغير الاحتياج تكدٍ والتكدي حرام.
ثم اعلم : أن الأوصاف التي عبر بها عن الأوصاف المذكورة وإن كانت تعم المسلم والكافر إلا أن الأحاديث خصتها بالمسلم منهم.
وقال أبو حفص : لا يصرف إلى من لا يصلي إلا أحياناً.
والتصدق على الفقير العالم أفضل من الجاهل.
وصدقة التطوع يجوز صرفها إلى المذكورين وغيرهم من المسلم والذمي وإلى بناء المساجد والقناطر وتكفين الميت وقضاء دينه ونحوهما لعدم اشتراط التمليك في التطوع وإن أريد صرف الفرض إلى هذه الوجوه صرف إلى الفقير ثم يؤمر بالصرف إليها فيثاب المزكي والفقير ولو قضى دين حي أي من مال الزكاة وإن كان بأمره جاز كأنه تصدق على المديون فيكون القابض كالوكيل له في قبض الصدقة وإن كان بغير أمره يكون متبرعاً فلا يجوز من زكاة ماله ولا تصرف الزكاة إلى مجنون وصبي غير مراهق إلا إذا قبض لهما من يجوز له قبضها كالأب والوصي وغيرهما وتصرف إلى مراهق يعقل الأخذ كما في "المحيط".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٣
قال في "مجمع الفتاوى" : جملة ما في بيت المال أربعة أقسام الأول الصدقات وما ينضم إليها تصرف إلى ما قال الله تعالى :﴿إِنَّمَا الصَّدَقَـاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَالْمَسَـاكِينِ﴾ الآية.
والثاني : الغنائم تصرف إلى اليتامى والمساكين وابن السببيل.
والثالث : الجزية والخراج تصرف إلى ما فيه صلاح دار الإسلام والمسلمين نحو سد الثغور والمقاتلة وعطياتهم وسلاحهم وكراعهم ويصرف إلى أمن الطريق وإلى إصلاح القناطر وكري الأنهار وإلى أرزاق الولاة والقضاة والأئمة والمؤذنين والقراء والمحتسبين والمفتين والمعلمين.
والرابع : ما أخذ من تركة الميت إذا مات بلا وارث أو الباقي من فرض الزوج أو الزوجة إذا لم يترك سواه يصرف إلى نفقة المرضى وأدويتهم وعلاجهم إن كانوا فقراء وإلى نفقة من هو عاجز عن الكسب انتهى.
والإشارة : إنما الصدقات، أي : صدقات الله كما قال عليه السلام :"ما من يوم ولا ليلة ولا ساعة إلافيها صدقة يتصدق بها على من يشاء من عباده" والفقراء هم الأغنياء بالله الفانون عن غيره الباقون به وهذا حقيق قوله عليه الصلاة والسلام :"الفقراء لصبرهم، هم جلساء الله يوم القيامة"، وهو سر ما قال الواسطي : الفقير، لا يحتاج إلى الله وذلك ؛ لأنه غني به والغني بالشيء لا يحتاج إليه والمساكين وهم الذي لهم بقية أوصاف الوجود لهم سفينة القلب في بحر الطلب وقد خرقها خضر المحبة وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً.
﴿وَالْعَـامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ وهم أرباب الأعمال كما كان الفقراء والمساكين أصحاب الأحوال ﴿وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ وهم الذين تتألف قلوبهم بذكر الله إلى الله المتقربون إليه بالتباعد عما سواه.
﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾ وهم المكاتبون قلوبهم عن رق الموجودات تحرياً لعبودية موجدها والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
﴿وَالْغَـارِمِينَ﴾ وهم الذين استقرضوا من مراتب المكونات أوصافها وطبائعها وخواصها وهم محبوسون في سجن
٤٥٥