الوجود بقروضهم وإنهم في استخلاص ذممهم عن القروض بردها فهم معاونون بتلك الصدقات للخلاص من حبس الوجود.
﴿وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وهم الغزاة المجاهدون في الجهاد الأكبر وهو الجهاد مع كفار النفوس والهوى والشيطان والدنيا.
﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ وهم المسافرون عن أوطان الطبيعة والبشرية السائرون إلى الله على أقدام الشريعة والطريقة بسفارة الأنبياء والأولياء.
﴿فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ﴾ أي : هذا السير والجهاد ورد القرض والحرية عن رق الموجودات وتألف القلوب إلى الله واستعمال آمال الشريعة والتمسكن والافتقار إلى الله طلباً للاستغناء به أمر واجب على العباد من الله وهذه الصدقات من المواهب الربانية والألطاف الإلهية للطالبين الصادقين أمر لأجبه الله تعالى في ذمة كرمه لهم كما قال تعالى :"من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً" كذا في "التأويلات النجمية".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٣
فعلى السالك الفناء عن أوصاف المجودات والحرية عن رق الكائنات وعرض الافتقار إلى هذه النفحات والصدقات.
﴿وَمِنْهُمُ﴾ أي : من المنافقين كالجلاس بن سويد وأحزابه.
﴿الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِىَّ﴾ بأن يقولوا في حقه ما يتأذى به الإنسان.
﴿وَيَقُولُونَ﴾ إذا قيل لهم من قبل بعضهم لا تفعلوا هذا الفعل فإنا نخاف أن يبلغه ما تقولون فتفضحوا ﴿هُوَ﴾ أي : النبي عليه السلام.
﴿أَذِنَ﴾ يسمع كل ما قيل له، يعني : إنا نقول ما شئنا ثم نأتيه فننكر ما قلنا ونحلف فيصدقنا بما نقول إنما محمد أذن سامعة أي صاحبها وإنما سموه أذناً مبالغة في وصفه باستماعه كل ما يقال وتصديقه إياه حتى صار بذلك كأنه نفس الأذن السامعة يريدون بذلك أنه ليس له ذكاء ولا بعد غور بل هو سليم القلب سريع الاغترار بكل ما يسمع فيسمع كلام المبلغ أولاً فيتأذى منه، ثم إذا وقع الإنكار أو الحلف والاعتذار يقبله أيضاً صدقاً كان أو كذباً، وإنما قالوه لأنه عليه السلام كان لا يواجههم بسوء ما صنعوا ويصفح عنهم حلماً وكرماً فظن أولئك أنه عليه السلام إنما يفعله لقلة فطنته وقصور شهامته.
﴿قُلِ﴾ هو ﴿أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ﴾ من إضافة الموصوف إلى صفته كرجل صدق والمعنى نعم إنه أذن لكنه نعم الإذن فإن من يسمع العذر ويقبله خير ممن لا يقبله لأنه إنما ينشأ من الكرم وحسن الخلق سلم الله تعالى قول المنافقين في حقه عليه السلام أنه أذن إلا أنه حمل ذلك القول على ما هو مدح له وثناء عليه وإن كانوا قصدوا به المذمة.
﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ﴾ تفسير لكونه أذن خير لهم أي يقربه لما قام عنده من الأدلة الموجبة له فيسمع جميع ما جاء من عنده ويقبله وكون ذلك خيراً للمخاطبين كما أنه خير للعالمين مما لا يخفى.
﴿وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي : يسلم لهم قولهم ويصدقهم فيما أخبروا به لما علم من خلوصهم وصدقهم ولا شك أن ما أخبر به المؤمنون الخلص يكون حقاً فمن استمعه وقبله يكون أذن خير، واللام مزيدة للتفرقة بين الإيمان المشهور وهو إيمان الأمان من الخلود في النار الذي هو نقيض الكفر بالله فإنه يعدى بالباء حملاً للنقيض على النقيض فيقال آمن بالله ويؤمنون بالغيب وبين الإيمان بمعنى التصديق والتسليم والقبول فإنه يعدى باللام مثل وما أنت بمؤمن لنا، أي : بمصدق.
﴿وَرَحْمَةً﴾ عطف على أذن خير أي وهو رحمة بطريق إطلاق المصدر على الفاعل للمبالغة
٤٥٦
﴿لِّلَّذِينَ ءَامَنُوا مِنكُمْ﴾ أي للذين أظهروا الإيمان منكم وهم المنافقون حيث يقبله منهم لكن لا تصديقاً لهم في ذلك بل رفقاً بهم وترحماً عليهم ولا يكشف أسرارهم ولا يهتك أستارهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٣
قال الكاشفي :(نه آنست كه بقول شمادانانيست صدق وكذب شمارا ميداند امارده ازروى كارشما برنميدارد وازروى رمت باشما رفق يمنمايد) فالواجب على المؤمن الاقتداء بالرسول المختار في التحفظ عن كشف الأسرار والتحقق بالاسم الستار.
﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ﴾ بالقول أو الفعل.
﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ (عذابي دردناك در آخرت بسبب ايذائه) فإنه قد تبين أنه عليه السلام خير ورحمة لهم فأذاه مقابلة لإحسانه بالإساءة فيكون مستوجباً للعذاب الشديد وكان المنافقون يتكلمون بالمطاعن ثم يأتون المؤمنين فيعتذرون إليهم ويؤكدون معاذيرهم بالإيمان ليعذورهم ويرضوا عنه، فقال تعالى :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٣