﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ﴾ أيها المؤمنون إنهم ما قالوا ما نقل إليكم مما يورث أذية النبي عليه السلام ﴿لِيُرْضُوكُمْ﴾ بذلك ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُه أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ﴾ بالتوبة وترك الطعن والعيب والمبالغة في باب الإجلال والإعظام مشهداً ومغيباً، وأما قبول عذرهم وعدم تكذيبهم فهو ستر عيوبهم لا عن رضى بما فعلوا.
وضمير يرضوه إلى الله فافراده للإيذان بأن رض ه عليه السلام مندرج تحت رضاه سبحانه وهما متلازمان فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر لعدم انفكاك الآخر أو إلى الرسول فإن الكلام في أذاه وأرضاه وذكر الله للتعظيم وللتنبيه على أن إرضاء الرسول إرضاء الله فاكتفى بذكر إرضائه عليه السلام عن ذكر إرضائه تعالى كما في قوله تعالى :﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِه لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ (النور : ٤٨) اكتفى بذكر حكم الرسول للتنبيه على أن حكم الرسول حكم الله أو إلى الله والرسول باستعارته لاسم الإشارة الذي يشار به إلى الواحد والمتعدد بتأويل المذكور لا يقال أي حاجة إلى الاستعارة بعد التأويل لأنا نقول لولا الاستعارة لم يتسن التأويل لما أن الضمير لا يتعرض إلا لذات ما يرجع إليه من غير تعرض لوصف من أوصافه التي من جملتها المذكورية وإنما المتعرض لها اسم الإشارة.
قال الحدادي : لم يقل يرضوهما لأنه يكره الجمع بين ذكر اسم الله وذكر اسم رسول له في كناية واحدة كما روي أن رجلاً قام خطيباً عند النبي عليه السلام فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال عليه السلام :"بئس الخطيب أنت، هلا قلت ومن يعص الله ورسوله".
قال في "أبكار الأفكار" : إنما أراد بذلك تعليم الأدب في المنطق وكراهة الجمع بين الله واسم غيره تحت حرفي الكناية لأنه يتضمن نوعاً من التسوية.
قال السعدي قدس سره :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٧
متكلم را تاكسى عيب نكيرد
سخنش صلاح نذيرد
مشوغره بر حسن كفتار خويش
بتحسين نادان وندار خويش
وفي الحديث :"لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان" قال الخطابي : وهذا إرشاد إلى الأدب لأن الواو للجمع والتشريك وثم للعطف مع الترتيب والتراخي فأرشدهم عليه السلام إلى تقديم مشيئة الله على مشيئة من سواه.
ومن هذا قال النخعي يكره أن يقول الرجل أعوذ بالله وبك ويجوز أعوذ بالله ثم بك، ويقال لولا الله ثم فلان لفعلت كذا ولا يقال لولا الله وفلان وإنما يقال من يطع الله ورسوله لأن الله تعبد العباد بأن فرض عليهم
٤٥٧
طاعة رسول الله فإذا أطيع رسول الله فقد أطيع الله بطاعة رسوله.
﴿إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ أي : صادقين فيما أظهروه من الإيمان فليرضوا الله ورسوله بالطاعة وإخلاص الإيمان فإنهما أحق بالإرضاء.
﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ أي : أولئك المنافقون والاستفهام للتوبيخ على ما أقدموا عليه من العظمة مع علمهم بسوء عاقبتهم ﴿إِنَّهُ﴾ أي : الشان ﴿مِّنَ﴾ شرطية معناه بالفارسية (هركس كه) ﴿يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ (خلاف كند باخداى تعالى وبارسول او وازحد دركذراند.
والمحادة باكسى حرب يا خلاف كردن) كما في "تاج المصادر" مفاعلة من الحد وهو الطرف والنهاية وكل واحد من المتخالفين والمتعاندين في حد غير حد صاحبه ﴿فَإِنَّ لَهُ﴾ بالفتح على أنه مبتدأ حذف خبره، أي : فحق أن له ﴿نَارَ جَهَنَّمَ خَـالِدًا فِيهَا ذَالِكَ﴾ العذاب الخالد ﴿الْخِزْىُ الْعَظِيمُ﴾ الخزي الذل والهوان المقارن للفضيحة والندامة وهي ثمرات نفاقهم حيث يفتضحون على رؤوس الأشهاد بظهورها ولحوق العذاب الخاص بهم.
واعلم أن كل نبي أوذي بما لا يحيط به نطاق البيان وكان النبي عليه السلام أشدهم في ذلك، كما قال :"ما أوذي نبي مثل ما أوذيت" ولما كانت الأذية سبب التصفية كان المعنى ما صفي نبي مثل ما صفيت وأما قوله عليه السلام حين قسم غنائم الطائف فقال بعض المنافقين بعدم العدل "من يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله رحمة الله على أخي موسى لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر" فيحتمل أن يكون بالنسبة إلى ذلك الوقت وقد زاد أذاه إلى آخر العمر كمية واشتد كيفية هذا هو اللائح بالبال فإذا كان الأنبياء عليهم السلام مبتلين بالأذية والنفي من البلد والقتل فما ظنك بالأولياء الكرام وهم أحوج منهم إلى التصفية لأن قدس الأنبياء أغلب وبواطنهم أنور وسرائرهم أصفى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٧
قال حضرة الشيخ الشهير بأفتداه أفندي قدس سره : وإنما كان الحسن مسموماً والحسين مذبوحاً رضي الله عنهما بسبب أن كمال تعينهما كان بالشهادة وكان النبي عليه السلام قادراً على تخليصهما بالشفاعة من الله تعالى، ولكنه رأى كمالهما في مرتبتهما راجحاً على الخلاص حتى إنه عليه السلام دفع قارورتين لواحدة من الأزواج المطهرة وقال :"إذا اصفرّ ما في إحداهما يكون الحسن شهيداً بالسم، وإذا احمرّ ما في الأخرى يكون الحسين شهيداً بالذبح" فكان كذلك.