فعلى العاقل الإطاعة والتسليم وتحمل الأذى من كل منافق لئيم، فإن الله تعالى مع المؤمن المتقي أينما كان فإذا كان الله معه وكاشف عن ذلك هان عليه الابتلاء لمشاهدته المبتلى على كل حال في فرح وترح.
وفي "المثنوي" :
عهر كجا باشد شه مارا بساط
هست صحرا كربود سم الخياط
هركجا يوسف رضى باشد وماه
جنتست او كره باشد قعر اه
﴿يَحْذَرُ الْمُنَـافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ أي : على المؤمنين.
﴿سُورَةٌ تُنَبِّئُهُم﴾ أي : تخبر تلك السورة المؤمنين ﴿بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ أي : قلوب المنافقين من الشرك والنفاق فتفضحهم وتهتك عليهم أستارهم فالضميران الأولان للمؤمنين، والثالث : للمنافقين ولا يبالي بالتفكك عند ظهور الأمر ويجوز أن تكون الضمائر كلها للمنافقين.
فالمعنى يحذر المنافقون أن تنزل عليهم أي في شأنهم فإن ما نزل في حقهم نازل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم من الأسرار الخفية فضلاً
٤٥٨
عما كانوا يظهرونه فيما بينهم من أقاويل الكفر والنفاق ومعنى تنبيئها إياهم مع أنها معلومة لهم وأن المحذور عندهم إطلاع المؤمنين على أسرارهم لا إطلاع أنفسهم عليها إنها تذيع ما كانوا يخفونه من أسرارهم فتنتشر فيما بين الناس فيسمعونها من أفواه الرجال.
فإن قلت : كيف يحذر المنافقون نزول الوحي الكاشف عن نفاقهم مع أنهم ينكرون نبوته عليه السلام فكيف يجوزون نزول الوحي عليه.
قلت : إن بعض المنافقين كانوا يعلمون النبوة لكنهم كانوا يكفرون عند أهل الشرك عنداً وحسداً، وبعضهم كانوا شاكين مترددين في أمره صلى الله عليه وسلّم والشاك يجوز نزول الوحي فيخاف أن ينزل عليه ما يفضحه.
وقال أبو مسلم : كان إظهار الحذر منهم بطريق الاستهزاء فإنهم كانوا إذا سمعوا رسول الله يذكر كل شيء ويقول : إنه بطريق الوحي يكذبونه ويستهزئون به بأن يقولوا فيما بينهم على وجه الاستهزاء به عليه السلام إنا نحذر ونخاف أن ينزل عليه ما يفضحنا، ولذلك قيل :﴿قُلِ اسْتَهْزِءُوا﴾ أي : افعلوا الاستهزاء وهو أمر تهديد : يعني (استهزا مكنيد كه جزا خواهيد يافت وجزا آنست كه براى تفضيح شما) ﴿إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ﴾ أي : من القوة إلى الفعل أو من الكمون إلى البروز.
﴿مَّا تَحْذَرُونَ﴾ أي : ما تحذرونه من إنزال السورة أو ما تحذرون إظهاره من مساويكم ومن هذا سميت هذه السورة الفاضحة لأنها فضحت المنافقين وتسمى أيضاً الحافرة لأنها حفرت عن قلوب المنافقين.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٧
﴿وَلَـاـاِن سَأَلْتَهُمْ﴾ عما قالوا بطريق الاستهزاء ﴿لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ﴾ في الكلام ونتحدث كما يفعل الركب لقطع الطريق بالحديث.
﴿وَنَلْعَبُ﴾ كما يلعب الصبيان.
روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يسير في غزوة تبوك وبين يديه ركب من المنافقين يستهزئون بالقرآن وبالرسول عليه السلام، ويقولون انظروا إلى هذا الرجل يريد أن يفتح حصون الشام وقصوره وهيهات هيهات يحسب محمد أن قتال بني الأصفر معه اللعب، والله لكأنهم، يعني : الصحابة غداً مفرقون في الجبال فأطلع الله نبيه على ذلك فقال :"احبسوا عليّ الركب" فأتاهم فقال :"قلتم كذا وكذا" فقالوا يا نبي الله لا والله ما كنا في شيء من أمرك ولا من أمر أصحابك إنما كنا نخوض ونلعب فلما أنكروا ما هم فيه من الاستهزاء والتخفيف أمر الله تعالى رسوله فقال :﴿قُلِ﴾ يا محمد على طريق التوبيخ غير ملتفت إلى اعتذارهم.
﴿أَبِاللَّهِ وَءَايَـاتِه وَرَسُولِه كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ﴾ عقب حرف التقرير بالمستهزىء به إشارة إلى تحقق الاستهزاء وثبوته فإنه فرق بين أن يقال تستهزىء بالله وبين أن يقال أبالله تستهزىء فإن الأول يقتضي الإنكار على ملابسة الاستهزاء والثاني يقتضي الإنكار على إيقاع الاستهزاء في الله.
﴿لا تَعْتَذِرُوا﴾ لا تشتغلوا بالاعتذار فإنه معلوم الكذب بين البطلان والاعتذار عبارة عن محو أثر الذنب.
قال في "التبيان" : أصل الاعتذار القطع يقال اعتذرت إليه أي قطعت ما في قلبه من الموجدة ﴿قَدْ كَفَرْتُم﴾ الكفر بأذى الرسول والطعن فيه.
﴿بَعْدَ إِيمَـانِكُمْ﴾ أي : بعد إظهاركم له فإنهم قط لم يكونوا مؤمنين ولكن كانوا منافقين.
﴿إِن نَّعْفُ﴾ (اكر عفو كنيم) ﴿عَن طَآاـاِفَةٍ مِّنكُمْ﴾ لتوبتهم وإخلاصهم أو لتجنبهم عن الأذية والاستهزاء.
﴿نُعَذِّبْ طَآاـاِفَةَا بِأَنَّهُمْ﴾ أي : بسبب أنهم ﴿كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ مصرين على الإجرام وهم غير التائبين أو مباشرين له وهم غير المجتبين واعتذر النبي عليه السلام لمن قال ألا تقتلهم لظهور كفرهم
٤٥٩
بقوله أكره أن تقول العرب قاتل أصحابه بل يكفيناهم الله بالدبيلة، أي : بالداهية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٩
وفي الآيات إشارات :


الصفحة التالية
Icon