الأولى : أن المنافقين وإن اعتقدوا نزول الوحي على النبي عليه السلام واعتقدوا نبوته لكن لم ينفعهم مجرد الاعتقاد والإقرار باللسان في ثبوت الإيمان مع أدنى شك داخلهم ولم ينفعهم الحذر مع القدر وهذا تحقيق قوله :"ولا ينفع ذا الجد منك الجد" وفي "هدية المهديين" : من قال آمنت بجميع الأنبياء ولا أعلم أآدم نبي أم لا؟ يكفر ومن لم يعرف أن سيدنا محمداً عليه السلام خاتم الرسل لا نسخ لدينه إلى يوم القيامة لا يكون مؤمناً.
والثانية : إن إظهار اللطف والرحمة بلا سبب محتمل ولكن إظهار القهر والفرق لا يكون إلا بسبب جرم من المجرمين كما قال :﴿بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ وفي "المثنوي" :
ونكه بدكردى بترس ايمن مباش
زانكه تخمست وبروياند خداش
ند كاهى اوبوشاند كه تا
آيدت زان بد شيمان وحيا
بارها وشد ى اظهار فضل
باز كيرد ازى إظهار عدل
تاكه اين هرد وصفت ظاهر شود
آن مبشر كردد اين منذر شود
والثالثة : أن الاستهزاء بالله وبرسوله وبالآيات القرآنية كفر والاستهزاء استحقار الغير بذكر عيوبه على وجه يضحك قولاً أو فعلاً وقد يكون الاستهزاء بالإشارة والإيمان وبالضحك على كلامه إذا تخبط فيه أو غلط أو على صنعته ونحو ذلك وهو حرام بالإجماع معدود من الكبائر عند البعض كما قال علاء الدين التركستاني في "منظومته" العادّة لكبائر الذنوب وهي سبعون.
ويل لمن من الأنام يسخر
مقامه يوم الجزاء سقر
وفي الحديث :"إن المستهزئين بالناس يفتح لأحدهم في الآخرة باب من الجنة، فيقال لهم : هلم هلم فيجيء بكربه وغمه فإذا جاء أغلق دونه ثم يفتح له باب آخر فيقال له هلم هلم فيجيء بغمه وكربه فإذا جاء أغلق دونه فما يزال كذلك حتى أن أحدهم ليفتح له الباب من أبواب الجنة فيقال له هلم فما يأتيه من الإياس" وفي الحديث :"ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق : ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم، وإمام مقسط" كما في "الترغيب والترهيب" للإمام المنذري وإنما خص هذه الثلاثة لأن أوصافهم راجعة إلى أوصاف الله تعالى فذو الشيبة حصل له كبر السن، والباري له الكبرياء والعالم اتصف بصفة العلم، والإمام المقسط اتصف بصفة العدل وهما من صفات الله تعالى أيضاً فمن إجلال الله تعالى وإكرامه إجلال هذه الثلاثة وإكرامهم ومن استخفافه استخفافهم وفي الحديث :"ارحموا عزيز قوم ذل، وغني قوم افتقر، وعالماً بين الأقوام الجهال لا يعرفون حقه".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٩
كفت يغمبركه با اين سه كروه
رحم آريد ارنه سنكيدونه كوه
آنكه أو بعد از عزيزى خوارشد
وان توانكر هم كه بى دينار شد
وان سوم آن عالمي كاندر جهان
مبتلا كردد ميان ابلهان
زانكه ازعزت بخوارى آمدن
همو قطع عضو باشد ازبدن
عضو كردد مرده كزتن وابريد
كو بريده جنيد اما نى مديد
ومن تعظيم الرسول تعظيم أولاده.
قيل : ركب زيد بن ثابت رضي الله عنه فدنا ابن عباس
٤٦٠
رضي الله عنه ليأخذ ركابه، فقال : لا يا ابن عم رسول الله، فقال هكذا أمرنا أن تفعل بكبرائنا فقال زيد أرني يدك فأخرجها إليه فقبلها، فقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومن أولاده المعنوية من اقتدى به قولاً وفعلاً وحالاً فتعظيمه تعظيم الرسول وتحقيره تحقيره فعليك التعظيم والتبجيل.
﴿الْمُنَـافِقُونَ﴾ (مردان منافق كه سيصد نفربودند) ﴿وَالْمُنَـافِقَـاتُ﴾ (وزنان منافقه كه صد وهفتاد بودند) ﴿بَعْضُهُم مِّنا بَعْضٍ﴾ أي متشابهون في النفاق والبعد عن الإيمان كأبعاض الشيء الواحد بالشخص.
﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ﴾ أي : بالكفر والمعاصي.
﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ﴾ أي : عن الإيمان والطاعة استئناف مقرر لمضمون ما سبق ومفصح عن مضادة حالهم لحال المؤمنين.
﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ أي : عن الإنفاق في سبيل الله وعن الصدقة وعن كل خير فإن قبض اليد كناية عن الشح أو عن رفعها للدعاء والمناجاة كما في "الكاشفي".
﴿نَسُوا اللَّهَ﴾ صاروا غافلين عن ذكره وتركوا أمره حتى صار كالمنسي عندهم ذكر الملزوم وهو النسيان وأريد اللازم وهو الترك لأن النسيان ليس من الأفعال الاختيارية فلا يذم عليه.
﴿فَنَسِيَهُمْ﴾ فتركهم من لطفه وفضله لا من قهره وتعذيبه وفسر النسيان أيضاً بالمعنى المجازي الذي هو الترك لأنه محال في حقه تعالى.
﴿إِنَّ الْمُنَـافِقِينَ هُمُ الْفَـاسِقُونَ﴾ الكاملون في التمرد والفسق الذي هو الخروج عن الطاعة والانسلاخ عن كل خير.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٥٩


الصفحة التالية
Icon