﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ﴾ الوعد يستعمل في الخير بمعنى الإخبار بإيصال المنفعة قبل وقوعها وفي الشر بمعنى الإخبار بإيصال المضرة قبل وقوعها يقال وعدته خيراً ووعدته شراً فإذا سقط الخير والشر قالوا في الخير الوعد والعدة وفي الشر الإيعاد والوعيد وقد أودعه ويوعده، أي : وعد العقاب.
﴿وَالْكُفَّارَ﴾ أي : المجاهرين ﴿نَارُ جَهَنَّمَ﴾ وهي من أسماء النار تقول العرب للبئر البعيدة القعر جهنام فيجوز أن يكون جهنم مأخوذة من هذا اللفظ لبعد قعرها.
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سمع صوتاً هاله فأتاه جبريل فقال عليه السلام :"ما هذا الصوت يا جبرائيل" قال : هذه صخرة هوت من شفير جهنم منذ سبعين عاماً فهذا حين بلغت قعرها فأحب الله أن يسمعك صوتها فما رؤي رسول الله ضاحكاً ملء فيه حتى قبضه الله" ﴿خَـالِدِينَ فِيهَآ﴾ أي مقدراً خلودهم فيها.
﴿هِىَ حَسْبُهُمْ﴾ عقاباً وجزاء ولا شيء أبلغ من تلك العقوبة ولا يمكن الزيادة عليها.
﴿وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ أي : أبعدهم من رحمته وأهانهم وهو بيان لبعض ما تضمنه الخلود في النار فإن النار المخلد فيها مع كونها كافية في الإيلام تتضمن شدائد أخر من اللعن والإهانة وغيرهما.
﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ لا ينقطع والمراد به ما وعدوه وهو الخلود في نار جهنم ذكر بعده تأكيداً له لأن الخلود والدوام بمعنى واحد.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦١
﴿كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ﴾ أي : أنتم أيها المنافقون مثل الذين من قبلكم من الأمم المهلكة.
﴿كَانُوا أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً﴾ (يعني : بتن ازشما قوى تربودند) ﴿وَأَكْثَرَ أَمْوَالا وَأَوْلَـادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَـاقِهِمْ﴾ أي : تمتعوا بنصيبهم من ملاذ الدنيا سمي النصيب خلاقاً لأنه مشتق من الخلق بمعنى التقدير ونصيب كل واحد هو الخير المقدر له.
﴿فَاسْتَمْتَعْتُم بِخَلَـاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلَـاقِهِمْ﴾ الكاف في محل النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي استمتاعاً كاستمتاعهم وليس في الآية تكرار
٤٦١
لأن قوله فاستمتعوا بخلاقهم ذم للأولين بالاشتغال بالحظوظ الفانية وذمهم بذلك تمهيد لذم المخاطبين بسلوكهم سبيل الأولين وتشبيه حالهم بحالهم ﴿وَخُضْتُمْ﴾ أي دخلتم في الباطل وشرعتم فيه.
﴿كَالَّذِى﴾ أي : كالفوج الذي ﴿خَاضُوا﴾ ويجوز أن يكون أصله الذين حذفت النون تخفيفاً.
﴿أولئك﴾ الموصوفون بما ذكر من الأفعال الذميمة من المشبهين والمشبه بهم والخطاب لرسول الله أو لكل من يصلح للخطاب.
﴿حَبِطَتْ أَعْمَـالُهُمْ﴾ التي كانوا يستحقون بها الأجور لو قارنت الإيمان مثل الإنفاق في وجوه الخير وصلة الرحم وغير ذلك أي ضاعت وبطلت بالكلية ولم يترتب عليها أثر.
﴿فِى الدُّنُيَا وَالاخِرَةِ﴾.
أما في الآخرة فظاهر.
وأما في الدنيا : فلأن ما يترتب على أعمالهم فيها من الصحة والسعة وغير ذلك حسبما ينبىء عنه قوله تعالى :﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَواةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَـالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ﴾ (هود : ١٥) ليس ترتيبه عليها على طريق المثوبة والكرامة بل بطريق الاستدراج.
﴿وَأُوالَـائِكَ﴾ الموصوفون بحبوط الأعمال في الدارين.
﴿هُمُ الْخَـاسِرُونَ﴾ الكاملون في الخسران في الدارين الجامعون لمباديه وأسبابه طراً فإنه قد ذهبت رؤوس أموالهم فيما ضرهم ولم ينفعهم قط ولو أنها ذهبت فيما لا يضرهم ولا ينفعهم لكفى به خسراناً.
قال السعدي قدس سره :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦١
قيامت كه بازار مينو نهند
منازل باعمال نكيو نهند
بضاعت بنيد انكه آرى برى
اكر مفلسي شر مسارى برى
كه بازار ندانكه آكنده تر
تهى دست را دل را كنده تر
﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ﴾ أي : المنافقين ﴿نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي : خبرهم الذي له شأن وهو ما فعلوا وما فعل بهم والاستفهام للتقرير والتحذير أي قد أتاهم خبر الأمم السالفة وسمعوه فليحذروا من الوقوع فيما وقعوا.
﴿قَوْمُ نُوحٍ﴾ أغرقوا بالطوفان وهو بدل من الذين.
﴿وَعَادُ﴾ أهلكوا بريح صرصر ﴿وَثَمُودُ﴾ أهلكوا بالرجفة والصيحة.
﴿وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ﴾ أهلك نمرود ببعوضة وأهلك أصحابه بالهدم.
﴿وَأَصْحَـابِ مَدْيَنَ﴾ أي : وأهل مدين وهم قوم شعيب أهلكوا بالنار يوم الظلة ومدين هو مدين بن إبراهيم نسبت القرية إليه.
﴿وَالْمُؤْتَفِكَـاتِ﴾ الظاهر أنه عطف على مدين وهي قريات قوم لوط ائتفكت بهم أي انقلبت بهم فصار عاليها سافلها وأمطروا حجارة من سجيل ﴿أَتَتْهُمْ﴾ أي جميع من تقدم من المهلكين.
﴿رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَـاتِ﴾ أي بالحجج والبراهين فكذبوهم فاهلكهم الله ﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ أي : لم يكن من عادته ما يشابه ظلم الناس كالعقوبة بلا جرم ﴿وَلَـاكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ حيث عرضوها للعقاب بالكفر والتكذيب.
قال الصائب :


الصفحة التالية
Icon