را زغير شكايت كنم كه همو حباب
هميشه خانه خراب هواى خويشتنم
فعلى العاقل أن لا يغتر بالقوة والأولاد والأموال فإن كلها في معرض الزوال.
قال الحافظ :
ببال ور مرو ازره كه تير رتابى
هواكرفت زماني ولي بخاك نشست
يعني : لا تغتر بقدرتك وقوتك البدنية والدنيوية ولا تخرج بسببها عن الصراط المستقيم فإن حالك مشابه لحال السهم فإنه وإن علا على الهواء زماناً لكنه يسقط على الأرض فآخر كل علو هو
٤٦٢
السفل وآخر كل قدرة هو العجز فلا بد من تدارك الأمر بالتوبة والاستغفار قبل نزول ما نزل بالقوم الأشرار.
قال بعض الصالحين : خرجت إلى السوق ومعي جارية حبشية فأجلستها في مكان، وقلت لها : لا تبرحي حتى أعود إليك فذهبت ثم عدت إلى المكان فلمْ أجدها فيه، فانصرفت إلى منزلي وأنا شديد الغضب عليها، فجاءتني وقالت لي يا مولاي لا تعجل عليّ فإنك أجلستني بين قوم لا يذكرون الله تعالى فخشيت أن ينزل بهم خسف وأنا معهم، فقلت : إن هذه أمة قد رفع عنها الخسف إكراماً لنبيها محمد صلى الله عليه وسلّم فقالت : إن رفع عنها خسف المكان فما رفع عنها خسف القلوب يا من خسف بمعرفته وقلبه، وهو في غفلته من بلائه وكربه بادر إلى حميتك ودوائك قبل موتك وفنائك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦١
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم على المنبر والناس حوله :"أيها الناس استحيوا من الله حق الحياء" فقال رجل يا رسول الله إنا نستحيي من الله فقال :"من كان منكم مستحيياً فلا يبيتن ليلة إلا وأجله بين عينيه وليحفظ البطن وما وعى، والرأس وما حوي، وليذكر الموت والبلى، وليترك زينة الدنيا" قال الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام ولو أشاء أن أزينكما بزينة علم فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عنها لفعلت ولكني أزوي عنكما وكذلك افعل بأوليائي وليس ذلك لهوانهم عليّ ولكن ليستكملوا حظهم من كرامتي.
مكو جاهى ازسلطنت بيش نيست
كه ايمن تر ازملك درويش نيست
فقد تقرر حال أهل الدنيا وحال أهل الآخرة فالعاقل يعتبر ويتبصر إلى أن يموت ويقبر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦١
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَـاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ أي : بعضهم على دين بعض في الحق، أي متفقون في التوحيد وبعضهم معين بعض في أمر دينهم ودنياهم وبعضهم موصل بعض إلى الدرجات العالية بسبب التربية وتزكية النفس وهم المرشدون في طريق الله تعالى.
﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي : جنس المعروف الشامل لكل خير ومنه الإيمان والطاعة ويهيج بعضهم بعضاً في طلب الله وهو المعروف الحقيقي كما قال :"فأحببت أن أعرف" ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ أي : جنس المنكر المنتظم لكل شر ومنه الكفر والمعاصي التي تقطع العبد عن الله من الدنيا وغيرها.
﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَواةَ﴾ فلا يزالون يذكرون الله تعالى ويديمون مراقبة القلب وحضوره مع الله بحيث لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وهم أرباب المكاشفة وأصحاب القلوب وهذا بمقابلة ما سبق من قوله نسوا الله.
﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَواةَ﴾ بمقابلة قوله تعالى :﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ (التوبة : ٦٧) فهم يؤدون الزكاة الواجبة بل ينفقون ما فضل عن كفافهم الضروري ويطهرون أنفسهم عن محبة الدنيا بالإنفاق.
﴿وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَه﴾ أي : في كل أمر ونهي وهو بمقابلة وصف المنافقين بكمال الفسق والخروج عن الطاعة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٣
قال في "التأويلات النجمية" : يشير إلى الإخلاص في معاملتهم فإن المنافقين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ولكن لا يطيعون الله ورسوله في ذلك وإنما يطيعون النفس والهوى رعاية لمصالح دنياهم ﴿أولئك﴾ الموصوف بهذه الأوصاف الكريمة.
﴿سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾ أي : يفيض عليهم آثار رحمته من التأييد والنصرة البتة وينجيهم من العذاب الأليم سواء كان عذاب النار أو عذاب البعد من الملك الجبار بالإدخال إلى الجنة
٤٦٣
والإيصال إلى القربة والوصلة.