وعن بعض أهل الإشارة.
﴿سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ﴾ في خمسة مواضع عند الموت وسكراته يهون عليهم سكرات الموت، ويحفظ إيمانهم من الشيطان، وفي القبر وظلماته ينور قبورهم ويحفظهم من العذاب القبر وعند قراءة الكتاب وحسراته، يؤتيهم كتابهم بيمينهم ويمحو سيئاتهم من كتابهم كيلا يتحسروا على سيئاتهم، وعند الميزان وندماته يثقل موازينهم، وعند الوقوف بين يدي الله وسؤالاته يسهل عليهم جوابهم ولا يؤاخذهم بعيوبهم.
وفي الحديث :"من صلى صلاة الفجر هان عليه الموت وغصته، ومن صلى صلاة الظهر هان عليه القبر وضمته، ومن صلى صلاة العصر هان عليه سؤال منكر ونكير وهيبته، ومن صلى صلاة المغرب هان عليه الميزان وخفته ومن صلى صلاة العشاء هان عليه الصراط ودقته" ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ تعليل الوعد، أي : قوي قادر على إعزاز أوليائه وقهر أعدائه ذو النعمة لمن يطيعه.
﴿حَكِيمٌ﴾ بنى أحكامه على أساس الحكمة الداعية إلى إيصال الحقوق من النعمة والنقمة إلى مستحقيها من أهل الطاعة وأهل المعصية حكم للمؤمنين بالجنة في مقابلة تصديقهم وإقرارهم، وللمحسنين بالوصلة في مقابلة طلبهم في جميع الحال رضى الله وتركهم ما سواه وحكم للكافرين والمنافقين بالنار لإنكارهم وتكذيبهم الأنبياء وعبادتهم للأوثان والأصنام.
﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَـاتِ﴾ أي : وعدهم وعداً شاملاً لكل واحد منهم على اختلاف طبقاتهم في مراتب الفضل كيفاً وكماً والوعد عبارة عن الإخبار بإيصال المنفعة قبل وقوعها ﴿جَنَّـاتُ﴾ جمع جنة وهي الحديقة ذات النخل والشجر.
﴿تَجْرِى مِن تَحْتِهَا﴾ أي : أشجارها وغرفها.
﴿الانْهَـارَ﴾ أنهار الماء والعسل والخمر واللبن.
﴿خَـالِدِينَ فِيهَآ﴾ أي : مقدراً خلودهم ودوامهم فيها فكل واحد من المؤمنين فائز بهذه الجنات لا محالة.
﴿وَمَسَـاكِنَ طَيِّبَةً﴾ أي : وعد بعض الخواص الكمل منهم منازل تستطيبها النفوس أو يطيب فيها العيش وفي الخبر إنها قصور من اللؤلؤ والزبرجد والياقوت الأحمر.
﴿فِى جَنَّـاتِ عَدْنٍ﴾ هي أبهى أماكن الجنات وأسناها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٣
عن النبي عليه السلام :"عدن دار الله لم ترها عين، ولم تخطر على قلب بشر لا يسكنها غير ثلاث : النبيون والصديقون والشهداء طوبى لمن دخلها" روي أن الله تعالى خلق جنة عدن بيده من غير واسطة وجعلها له كالقلعة للملك وجعل فيها الكثيب مقام تجلي الحق سبحانه وفيها مقام الوسيلة مقام المصطفى صلى الله عليه وسلّم وغرس شجرة طوبى بيده في جنة عدن وأطالها حتى علت فروعها سور جنة عدن ونزلت مظللة على سائر الجنات كلها وليس في أكمامها ثمر إلا الحلي والحلل لباس أهل الجنة وزينتهم زائدة في الحسن والبهاء لها اختصاص فضل لكونها خلقها الله بيده وهي أجمع الحقائق الجنانية نعمة وأتمها بركة فإنها أصل لجميع أشجار الجنة كآدم عليه السلام لما ظهر منه من البنين وما في الجنة نهر إلا وهو يجري من أصل تلك الشجرة وهي محمدية المقام وهي في الدار النبي عليه السلام يقال عدن بالمكان إذا أقام به ومنه المعدن لمستقر الجواهر.
﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ أي : وشيء يسير من رضوانه تعالى ﴿أَكْبَرَ﴾ وأعظم من الجنان ونعيمها لأنه مبدأ جميع السعادات ومنشأ تمام الكمالات (محققان راه وعارفان آكاه دركاه وبيكاه جز رضاى حضرت الله مطلوبي نيست).
٤٦٤
يكى مى خواهد ازتوجنت وحور
يكى خواهدكه ازدوزخ شود دور
وليكن ما نخواهيم اين وآن جست
مراد ما همين خشنودى تست
وتو خشنود كردى در دو عالم
همين مقصود بس والله أعلم
قال الحافظ :
صحبت حور خواهم كه بود عين قصور
با خيال تو اكر دكرى ردازم
روي أنه تعالى يقول لأهل الجنة "هل رضيتم فيقولون ما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك، فيقول : أنا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون وأي شيء أفضل من ذلك فيقول : أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً" ﴿ذَالِكَ﴾ المذكور من النعيم والرضى ﴿هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ دون ما يعده الناس فوزاً من حظوظ الدنيا فإنها مع قطع النظر عن فنائها وتغيرها وتنغصها وتكدرها ليست بالنسبة إلى أدنى شيء من نعيم الآخرة إلا بمثابة جناح البعوض قال عليه السلام :"لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى الكافر منها شربة ماء" قال : يحيى بن معاذ : الدنيا دار خراب وأخرب منها قلب من يعمرها، والآخرة دار عمران وأعمر منها قلب من يطلبها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٣
وقال أيضاً : في الدنيا جنة من دخلها لم يشتق إلى الجنة قيل : وما هي قال معرفة الله تعالى وهي الجنة المعنوية.
قال أبو يزيد البسطامي : حلاوة المعرفة الإلهية خير من جنة الفردوس وأعلى عليين لو فتحوا لي أبواب الجنان الثماني وأعطوني الدنيا والآخرة لم تعدل أنيناً وقت السحر.
فعلى العاقل الاجتهاد والتوجه إلى الحضرة العليا والإعراض عن الدنيا والفوز بالمطلب الأعلى والمقصد الأسنى نسأل الله الدخول إلى حرم الوصول.


الصفحة التالية
Icon