يا اأَيُّهَا النَّبِىُّ} اعلم أن الله تعالى خاطب الأنبياء عليهم السلام بأسمائهم الشريفة مثل يا آدم ويا نوح ويا موسى ويا عيسى وخاطب نبينا صلى الله عليه وسلّم بالألقاب الشريفة مثل : أيها النبي، ويا أيها الرسول، وذلك يدل على علو جنابه عليه السلام مع أن كثرة الألقاب والأسماء تدل على شرف المسمى أيضاً.
قال أبو الليث : في آخر سورة النور : عند قوله تعالى :﴿لا تَجْعَلُوا دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَآءِ بَعْضِكُم بَعْضًا﴾ (النور : ٦٣) أي : لا تدعوا محمداً صلى الله عليه وسلّم باسمه ولكن وقروه وعظموه فقولوا يا رسول الله ويا نبي الله ويا أبا القاسم.
وفي الآية : بيان توقير معلم الخير فأمر الله تعالى بتوقيره وتعظيمه، وفيه معرفة حق الأستاذ.
وفيه معرفة حق أهل الفضل اهـ.
أقول ولذا يطلق على أهل الإرشاد عند ذكرهم ألفاظ دالة على تعظيمهم على أي لغة كانت ؛ لأنه إذا ورد النهي عن التصريح بأسماء الآباء الصورية لكونه سوء أدب فما ظنك بتصريح أسماء الآباء المعنوية : والمعنى يا أيها المبلغ عن الله، والمخبر، أو يا صاحب علو المكانة والزلفى ؛ لأن لفظ النبي ينبىء عن الإنباء والارتفاع.
﴿جَـاهِدِ الْكُفَّارَ﴾ أي : المجاهرين منهم بالسيف والجهاد عبارة عن بذل الجهد في صرف المبطلين عن المنكر وإرشادهم إلى الحق.
﴿وَالْمُنَـافِقِينَ﴾ بالحجة وإقامة الحدود فإنهم كانوا كثيري التعاطي للأسباب الموجبة للحدود ولا تجوز المحاربة معهم بالسيف لأن شريعتنا تحكم بالظاهر وهم يظهرون الإسلام وينكرون الكفر.
﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ أي : على الفريقين جميعاً في ذلك وأعنف بهم ولا ترفق.
٤٦٥
هست نرمى آفت جان سمور
وزدرشتى ميبردجان خارشت
قال عطاء : نسخت هذه الآية كل شيء من العفو والصفح ؛ لأن لكل وقت حكماً.
﴿وَمَأْوَاـاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ جملة مستأنفة لبيان آجل أمرهم أثر بيان عاجله ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ أي : بئس الموضع موضعهم الذي يصيرون إليه ويرجعون.
والفرق بين المرجع والمصير أن المصير يجب أن يخالف الحالة الأولى ولا كذلك المرجع، وفي الحديث :"أوصيك بتقوى الله فإنها رأس أمرك" يعني : أصل الطاعة وهو الخوف من الله تعالى فإن المرء لا يميل إلى الطاعة ولا يرغب عن المعصية إلا بالتقوى، فإذا غرس شجرة التقوى في القلب تميل أطراف الإنسان إلى جانب الحسنات ولا يقدم على ارتكاب السيئات "وعليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي" الرهبانية الخصال المنسوبة إلى الرهبان من التعبد في الصوامع والغيران وترك أكل اللحم والطيبات ولبس الخاص من الثياب فقد أفاد النبي عليه السلام أن الثواب الذي يحصل للأمم السالفة بالرهبانية يحصل لهذه الأمة المرحومة بالغزو وإن لم يترهبوا بل رب آكل ما يشتهيه خير من صائم نبت حب الدنيا فيه.
قال السعدي قدس سره :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٣
خورنده كه خيرى برآيد زدست
به از صائم الدهر دنيا رست
قال الأوزاعي : خمس كان عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم والتابعون : لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المسجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله.
وفي الحديث :"أفضل رجال أمتي الذين يجاهدون في سبيل الله، وأفضل نساء أمتي اللاتي لا يخرجن من البيوت إلا لأمر لابد لهن منه" وفي الحديث :"اتقوا أذى المجاهدين في سبيل الله، فإن الله تعالى يغضب لهم كما يغضب للرسل ويستجيب لهم كما يستجيب للرسل" وفي الحديث :"إذا أخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" دل هذا على أن ترك الجهاد والإعراض عنه والسكون إلى الدنيا خروج من الدين وكفى بهذا إثماً وذنباً مبيناً.
وفي الآية : إشارة إلى القلب الذي له نبأ من مقام الأنبياء يأمره بالجهاد مع كفار النفس وصفاتها وهذا مقام المشايخ يجاهدون مع نفوسهم أو نفوس مريدهم كما قال عليه السلام :"الشيخ في قومه كالنبي في أمته" قال في "المثنوي" :
كفت يغمبركه شيخ رفته بش
ون نبي باشدميان قوم خويش
فأمر بالجهاد مع كافر النفس وصفاتها بسيف الصدق فجهاد النفوس بمنعها عن شهواتها واستعمالها في عمل الشريعة على خلاف الطبيعة والنفوس بعضها كفار لم يسلموا، أي لم يستسلموا للمشايخ في تربيتها فجهادها بالدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وبعضها منافقون، وهم الذين ادعوا الإرادة والاستسلام للمشايخ في الظاهر ولم يعرفوا بما عاهدوا عليه، فجهادها بإلزامها مقاساة شدائد الرياضات في التزكية على قانونها ممتثلة أوامر الشيخ ونواهيه، ولو يرى عليها الإباء والامتناع فلا ينفعها إلا التشديد والغلظة كما قال تعالى :﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ فالواجب أن يبالغ في مخالفتها ومؤاخذتها في أحكام الطريقة فإن فاءت إلى أمر الله فهو المراد وإلا استوجبت لما خلقت له.
﴿وَمَأْوَاـاهُمْ جَهَنَّمُ﴾.