فعلى السالك أن يجاهد مع هواه أولاً فإن السلطان يلزم عليه أن يحارب البغاة الذين في مملكته ثم الذين وراءهم من الكفار نسأل الله تعالى أن يقوينا وينصرنا على القوم الكافرين أياً ما كانوا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٣
﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا﴾ روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أقام في غزوة تبوك شهرين ينزل عليه القرآن ويعيب المنافقين المتخلفين فيسمعه من كان منهم معه عليه السلام فقال الجلاس بن سويد منهم لئن كان ما يقول محمد حقاً لإخواننا الذين خلفناهم وهم ساداتنا وأشرافنا فنحن شر من الحمير فقال عامر بن قيس الأنصاري للجلاس أجل والله والله إن محمداً لصادق وأنت شر من الحمير فبلغ ذلك رسول الله فاستحضره فحلف بالله ما قال فرفع عامر يده فقال :"اللهم أنزل على عبدك ونبيك تصديق الصادق وتكذيب الكاذب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم والمؤمنون ﴿أَمِينٌ﴾ (المائدة : ٢) فنزل جبريل قبل أن يتفرقوا بهذه الآية وصيغة الجمع في قالوا مع أن القائل هو الجلاس للإيذان بأن بقيتهم لرضاهم بقوله صاروا بمنزلة القائل :﴿وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ﴾ هي ما حكى آنفاً ﴿وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَـامِهِمْ﴾ أي : وأظهروا ما في قلوبهم من الكفر بعد إظهارهم الإسلام.
﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ الهمُّ بالشيء في اللغة : مقارنته دون الوقوع فيه أي قصدوا إلى ما لم يصلوا إلى ذلك من قتل الرسول وذلك أن خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه عليه السلام من تبوك على أن يفتكوا به في العقبة التي هي بين تبوك والمدينة، فقالوا : إذا أخذ في العقبة دفعناه عن راحلته إلى الوادي فأخبر الله تعالى رسوله بذلك فلما وصل الجيش إلى العقبة نادى منادي رسول الله إن رسول الله يريد أن يسلك العقبة فلا يسلكها أحد واسلكوا بطن الوادي فإنه أسهل لكم وأوسع فسلك الناس بطن الوادي وسلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم العقبة فلما سمعوا بذلك استعدوا وتلثموا وسلكوا العقبة وأمر عليه السلام عمار بن ياسر رضي الله عنه أن يأخذ بزمام الناقة يقودها وأمر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن يسوقها من خلفها فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وبقعقعة السلاح فرجع إليهم ومعه محجن فجعل يضرب به وجوه رواحلهم وقال إليكم إليكم يا أعداء الله أي : تمنعوا عن رسول الله وتنحوا فهربوا وفي رواية إنه عليه السلام خرج بهم فولوا مدبرين فعلموا أنه عليه السلام اطلع على مكرهم فانحطوا من العقبة مسرعين إلى بطن الوادي واختلطوا بالناس فرجع حذيفة يضرب الناقة فقال عليه السلام :"هل عرفت أحداً من الركب الذين رددتهم" قال : لا كان القوم ملثمين والليلة مظلمة فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلّم جاء إليه أسيد بن حضير رضي الله عنه فقال يا رسول الله ما منعك البارحة من سلوك الوادي فقد كان أسهل من سلوك العقبة فقال :"إني أكره أن يقول الناس أن محمداً قاتل بقوم حتى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم" فقال يا رسول الله هؤلاء ليسوا بأصحاب فقال عليه السلام :"أليس يظهرون الشهادة" ودعا عليهم رسول الله فقال :"اللهم ارمهم بالدبيلة" وهي
٤٦٧
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٣
سراج من نار يظهر بين أكتافهم حتى ينجم من صدورهم.
وفي لفظ شهاب من نار يقع على نياط قلب أحدهم فيهلكه.
﴿وَمَا نَقَمُوا﴾ قال في "القاموس" : نقم الأمر كرهه أي وما كرهوا وما عابوا وما أنكروا شيئاً من الأشياء ﴿إِلا أَنْ أَغْنَـاـاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُه مِن فَضْلِهِ﴾ سبحانه وتعالى وذلك أنهم كانوا حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلّم المدينة في غاية ما يكون من شدة العيش لا يركبون الخيل ولا يحوزون الغنيمة فآثروا بالغنائم، أي استغنوا وكثرت أموالهم وقتل للجلاس مولى فأمر رسول الله بديته اثني عشر ألف درهم فاستغنى.


الصفحة التالية
Icon