قال سعدى لبى : يجوز أن يكون زيادة الألفين شنقاً أي تكرماً لأنهم كانوا يعطون الدية ويتكرمون بزيادة عليها ويسمونها شنقاً انتهى وهذا الكلام من قبيل قولهم ما لي عندك ذنب إلا إحساني إليك أي : إن كان ثمة ذنب فهذا هو تهكم بهم وتوبيخ وقيل : الضمير في أغناهم للمؤمنين أي غاظهم إغناؤه للمؤمنين، كذا قال ابن عبد السلام.
﴿فَإِن يَتُوبُوا﴾ عما هم عليه من الكفرة والنفاق ﴿يَكُ﴾ ذلك التوب ﴿خَيْرًا لَّهُمْ﴾ في الدارين قيل : لما تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال جلاس يا رسول الله لقد عرض الله عليّ التوبة والله لقد قبلت وصدق عامر بن قيس فتاب جلاس وحسنت توبته ﴿وَإِن يَتَوَلَّوْا﴾ أي : استمروا على ما كانوا عليه من التولي والإعراض عن الدين.
﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِى الدُّنْيَا﴾ بالقتل والأسر والنهب وغير ذلك من فنون العقوبات.
﴿وَالاخِرَةِ﴾ بالنار وغيرها من أفانين العقاب ﴿وَمَا لَهُمْ فِى الأرْضِ﴾ مع سعتها وتباعد أقطارها وكثرة أهلها المصححة لوجدان ما نفى بقوله تعالى ﴿مِّن وَلَـايَتِهِم﴾ (دوستى كه دست كيرد) ﴿وَلا نَصِيرٍ﴾ (ونه يا رى كه عذاب ايشان باز دارد) أي ينقذهم من العذاب بالشفاعة والمدافعة فالعاصي لا ينجو من العذاب وإن كان سلطاناً ذا منعة إلا بالإستغفار من الذنوب وإخلاص التوحيد والتوجه إلى علام الغيوب حكي عن محمد بن جعفر أنه قال كنت مع الخليفة في زورق فقال الخليفة أنا واحد وربي واحد، فقلت له : اسكت يا أمير المؤمنين لو قلت ما قلت مرة أخرى لنغرق جميعاً قال لِم؟ قلت : لأنك لست بواحد إنما أنت اثنان الروح والجسد من الاثنين الأب والأم في الاثنين الليل والنهار بالاثنين الطعام والشراب مع الاثنين الفقر والعجز والواحد هو الله الذي لا إله إلا هو.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٣
وقال حكيم : لأصحاب الجنة ثلاثة أشياء يدخلون بها الجنة قول لا إله إلا الله محمد رسول الله والاستغفار من الذنوب والندم عليها وتحميد الله تعالى في الدنيا وإن أول ما يقولون إذا دخلوا الجنة الحمدالذي أذهب عنا الحزن أي حزن القبر والكتاب والنيران إن ربنا لغفور للذنوب والمعصية شكور لقليل العمل والطاعة وفي الحديث :"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله".
قال المولى الجامى قدس سره :
دلت آيينه خداى نماست
روى آيينه توتيره راست
صيقلى وار صيقلى ميزن
باشد إيينه آت شود روشن
صيقل آن اكرنه آكاه
نيست جز لا إله إلا الله
وفي قوله :﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَـامِهِمْ﴾ إشارة إلى أن بعض المريدين عند استيلاء النفوس وغلبة هواها وظفر الشيطان بهم شأنهم أن
٤٦٨
ينكروا على مشايخهم ويقولوا في حقهم كلمة الكفر أي كلمة الإنكار والاعتراض ويعرضوا عنهم بقلوبهم بعد الإرادة والاستسلام فإذا وقف المشايخ على أحوال ضمائرهم وخلل الإرادة في سرائرهم ﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ﴾ إنهم ﴿مَا قَالُوا﴾ وما أنكروا ﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ يعني : وهم بعضهم أن يثبت لنفسه مرتبة الشيخوخة قبل أوانها ويظهر الدعوة إلى نفسه وإن لم ينلها.
﴿وَمَا نَقَمُوا إِلا أَنْ أَغْنَـاـاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُه مِن فَضْلِهِ﴾ أي : وما أنكروا على الشيخ وخرجوا من أمره إلا كون الشيخ غني بلبان فضل الله عن حلمة الولاية ليروا آثار الرشد على أنفسهم فلم يحتملوا لضيق حوصلة الهمة فزين لهم الشيطان سوء أعمالهم فأصمهم بذلك وأعمى أبصارهم.
﴿فَإِن يَتُوبُوا﴾ يرجعوا إلى ولاية الشيخ بطريق الالتجاء.
﴿يَكُ خَيْرًا لَّهُمْ﴾ بأن يتخلصوا من غيرة الولاية وردها فإنها مهلكة ويتمكسوا بحبل الإرادة فإنها منجية.
﴿وَإِن يَتَوَلَّوْا﴾ أي : يعرضوا عن ولاية الشيخ.
﴿يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِى الدُّنْيَا وَالاخِرَةِ﴾ بعد رد الولاية فإن مرتد الطريقة أعظم ذنباً من مرتد الشريعة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٣
قال الجنيد : لو أقبل صديق على الله ألف سنة، ثم أعرض عنه لحظة فإن ما فاته أكثر مما ناله، فأما عذابه في الدنيا فبسلب الصدق والرد عن باب الطلب، وإرخاء الحجاب وذله وتقوية الهوى وتبديل الإخلاص بالرياء والحرص على الدنيا وطلب الرفعة والجاه، وأما عذابه في الآخرة فباشتعال نيران الحسرة والندامة على قلبه المعذب بنار القطيعة وهي نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة.
﴿وَمَا لَهُمْ فِى الارْضِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ﴾ يشير إلى أن من ابتلي برد ولاية شيخ كامل ولو امتلأت الأرض بالمشايخ وأرباب الولاية وهو يتمسك بذيل إرادتهم غير أن شيخة رده لا يمكن لأحدهم إعانته وإخراجه من ورطة الرد إلا ما شاء الله كما في "التأويلات النجمية".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٦٣