﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ أي : من عاهدوا الله والاستفهام للتقرير، أي قد علموا ﴿أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ﴾ أي : ما أسروه في أنفسهم من العزم على الإخلاف ولم يتكلموا به سراً ولا جهراً وما يتناجون به فيما بينهم من تسمية الزكاة جزية وغير ذلك مما لا
٤٧٠
خير فيه.
والتناجي (بايكديكر راز كردن) يقال نجاه نجوى وناجاه مناجاة ساره والنجوى السر كالنجي ﴿وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّـامُ الْغُيُوبِ﴾ فلا يخفى عليه شيء من الأشياء فكيف يجترئون على ما هم عليه من النفاق والعزم على الإخلاف.
مكن انديشه عصيان و ميدانى كه ميداند
مبين در روى اين وآن وميدانى كه مى بيند
وفي الآيات إشارات :
منها : أن من نذر نذراً فيه قربة نحو أن يقول إن رزقني الله ألف درهم فعليّ أن تصدق بخمسمائة لزمه الوفاء به ومن نذر ما ليس بقربة أو بمعصية، كقوله : نذرت أن أدخل الدار، أو قالعليَّ أن أقتل فلاناً اليوم فحنث يلزمه الكفارة وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فالواجب واحد من هذه الثلاثة والعبد مخير فيه فإن عجز عن أحد هذه الأشياء الثلاثة صام ثلاثة أيام متتابعات وإن علق النذر بشرط يريد وجوده، نحو أن يقول : إن قدم فلان أو إن قدمت من سفري أو إن شفى الله من مريضي أو قضى ديني فلله عليّ صيام أو صدقة أو إن ملكت عبداً أو هذا العبد فعليّ أن أعتقه يلزمه الوفاء بما نذر لأنه نذر بصيغة وليس فيه معنى اليمين وإن علقه بشرط لا يريد وجوده، كقوله : إن كلمت فلاناً أو دخلت الدار فعليّ صوم سنة يجزئه كفارة يمين والمنذور إذا كان له أصل في الفروض أي واجب من جنسه لزم الناذر كالصوم والصلاة والصدقة والاعتكاف وما لا أصل له في الفروض فلا يلزم الناذر كعيادة المريض وتشييع الجنازة ودخول المسجد وبناء القنطرة والرباط والسقاية وقراءة القرآن ونحوها والأصل فيه أن إيجاب العبد معتبر بإيجاب الله تعالى تحصيلاً للمصلحة المعلقة بالنذر والنذر الغير المعلق لا يختض بزمان ومكان ودرهم وفقير بخلاف المعلق، فلو قال الناذر عليّ أن أتصدق في هذا اليوم بهذا الدرهم على هذا الفقير فتصدق غداً بدرهم آخر على غيره أجزأه عندنا ولا يجزئه عند زفر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٠
واعلم : أن المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الأقصى لكونها أبنية الأنبياء عليهم السلام لها فضيلة تامة، ولهذا قال الفقهاء : لو نذر أن يصلي في أحد هذه الثلاثة تعين بخلاف سائر المساجد فإن من نذر أن يصلي في أحدها له أن يصلي في الآخر.
ومنها : أن النفاق عبارة عن الكذب وخلف الوعد والخيانة إلى ما ائتمن كما أن الإيمان عبارة عن الصدق وملازمة الطاعة لأن الله تعالى خلق الصدق فظهر من ظله الإيمان وخلق الكذب فظهر من ظله الكفر والنفاق وفي الحديث :"ثلاث من كنّ فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان" يعني : من يحدث عالماً بأنه كذب وتعهد عازماً على عدم الوفاء وينتظر الأمانة للخيانة ولعل هذا يكون في حق من اعتاد بهذه الخصال لا في حق من ندرت منه كما هو مذهب البخاري وبعض العلماء ومذهب الجمهور على أن هذه الخصال خصال المنافقين وصاحبها شبيه لهم فإطلاق اسم المنافق عليه على سبيل التجوز تغليظاً كما أن الله تعالى قال ومن كفر مكان ومن لم يحج لكمال قبحه.
قال صاحب "التحفة" : ليس الغرض أن آية المنافق محصورة في الثلاث بل من أبطن خلاف ما أظهر فهو من المنافقين.
واعلم أن المنافقين صنفان صنف معلنو الإسلام ومسروه في بدء الأمر وذلك
٤٧١
لغلبة صفات النفاق وقوتها في النفس وصنف معلنو الإسلام ومسروه في بدء الأمر إلى أن استعملوا هذه الصفات المستكنة في النفس فيظهر بالفعل كما كان بالقوة وذلك لضعفها في النفس فيعقبهم النفاق إلى الأبد بالشكوك الواقعة في قلوبهم وهم عن هذا النوع من النفاق غافلون وهم يصومون ويصلون ويزعمون أنهم مسلمون.
قال عمر بن عبد العزيز : لو جاءت كل أمة بمنافقيها وجئنا بالحجاج فضلناهم.
يقول الفقير سامحه الله القدير هذا الكلام بالنسبة إلى ذلك الوقت ولو أنه رأى وزراء آل عثمان ووكلاءهم في هذا الزمان لوجدهم أرجح من كل منافق لأنه بلغ نفاقهم إلى حيث أخذوا الرشوة من الكفار ليسامحوهم في مقاتلتهم ومحاربتهم خذلهم الله ودمرهم.
ومنها ذم البخل والحرص على الدنيا وفي الحديث :"ثلاث لا يحبهم الله ورسوله وهم في لعنة الله والملائكة والناس أجمعين البخيل والمتكبر والأكول" وفي الحديث :"ويل للأغنياء من الفقراء يوم القيامة، يقولون ربنا ظلمونا حقوقنا التي فرضت لنا عليهم، فيقول الله تعالى : بعزتي وجلالي لأبعدنهم ولأقربنكم".
قال الحافظ :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٠
كنج قارون كه روميرود از قهر هنوز
خوانده باشى كه هم ازغيرت درويشانست


الصفحة التالية
Icon