﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ خرج الكلام مخرج الأمر ومعناه الشرط أي إن شئت استغفر لهم وإن شئت لا تستغفر فالأمران متساويان في عدم النفع الذي هو المغفرة والرحمة.
﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ قوله مرة انتصب على المصدر أي سبعين استغفارة أو على الظرف أي سبعين وقتاً وتخصيص السبعين بالذكر لتأكيد نفي المغفرة ؛ لأن الشيء إذا بولغ في وصفه أكد بالسبع والسبعين وهذا كما يقول القائل لو سألتني حاجتك سبعين مرة لم أقضها لا يريد أنه إذا زاد على السبعين قضى حاجته فالمراد التكثير لا التحديد.
﴿فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَالِكَ﴾ أي : امتناع المغفرة لهم ولو بعد المبالغة في الاستغفار ليس لعدم الاعتداد باستغفارك بل ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ أي : بسبب إنهم ﴿كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي : كفراً متجاوزاً عن الحد كما يلوح به وصفهم بالفسق في قوله تعالى :﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَـاسِقِينَ﴾ فإن الفسق في كل شيء عبارة عن التمرد والتجاوز عن حدوده، أي لا يهديهم هداية موصلة إلى المقصد ألبتة لمخالفة ذلك
٤٧٣
للحكمة التي عليها يدور فلك التكوين والتشريع.
وأما الهداية : بمعنى الدلالة على ما يوصل إليه فهي متحققة لا محالة ولكنهم بسوء اختيارهم لم يقبلوها فوقعوا فيما وقعوا.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٠
وفيه إشارة إلى أن استغفار النبي عليه السلام لأحد من غير استغفاره لنفسه لا ينفعه فاليأس من المغفرة وعدم قبول استغفاره ليس لبخل من الله، ولا لقصور في النبي عليه الصلاة والسلام، بل لعدم قابليتهم بسبب الكفر الصارف عنها، كما قال المولى جلال الدين في "شرح الهياكل" المحال لا يدخل تحت قدرة قادر، ولا يلزم من ذلك النقص في القادر بل النقص في المحال حيث لا يصلح لتعلق القدرة انتهى ومنه يعرف معنى قول العرفي الشيرازي :
ذات تو قادرست بايجاد هر محال
الا بآفريدن ون تو يكانه
وفي عبارته سوء أدب كما لا يخفى.
واعلم : أن من كفرهم وفسقهم سخريتهم في أمر الصدقات ولو كان لهم إيمان وإصلاح لبالغوا في الإنفاق وجدّوا في البذل كالمخلصين.
وفي "التأويلات النجمية" : قلب المؤمن منور بالإيمان وروحه متوجه إلى الحق تعالى فالحق يؤيد روحه بتأيد نظر العناية وتوفيق العبودية فيسطع من الروح نور روحاني مؤيد بنور رباني فتنبعث منه الخواطر الرحمانية الداعية إلى الله تعالى بأعمال موجبة للقربة من الفرائض والنوافل فتارة تكون الأعمال بدنية كالصوم والصلاة وتارة تكون تلك الأعمال مالية كالزكاة والصدقة فيتطوع بالصدقة فضلاً عن الزكاة وفي الحديث :"إن النافلة هدية المؤمن إلى ربه فليحسن أحدكم هديته وليطيبها" وقلب المنافق مظلم بظلمات صفات النفس لعدم نور الإيمان وروحه متوجه إلى الدنيا وزخارفها بتبعية النفس الأمارة بالسوء مطرود بالخذلان لأن قرينه الشيطان فبتأثير الخذلان ومقارنة الشيطان يصعد من النفس ظلمة نفسانية تمنع القلب من قبول الدعوة وإجابة الرسل وإتباع الامر واجتناب النواهي بالصدق وتنبعث منة الخواطر الظلمانية النفسانية وبذالك يمتنع عن أداء الفرائض فضلاً عن النوافل والتطوعات ويهزأ بمن يفعل ذلك.
روي أن داود عليه السلام سأل ربه أن يريه الميزان فأراه إياه في المنام فلما رأى عظمته غشي عليه فلما أفاق قال : إلهي من الذي يقدر أن يملأ كفته من الحسنات فقال : يا داود إني إذا رضيت عن عبدي أملأها بتمرة.
وروي أن الحسن مر به نخاس ومعه جارية جميلة فقال للنخاس أترضى في ثمنها بدرهم أو درهمين قال : لا، قال : فاذهب فإن الله يرضى في الحور العين بالفلس والفلسين.
قال السعدي قدس سره :
بدنيا تواني كه عقبى خرى
يخرجان من ورنه حسرت خورى
واعلم أن النوافل مقبولة بعد أداء الفرائض وإلا فهي من علامات أهل الهوى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٠
﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ﴾ المخلف ما يتركه الإنسان خلفه والمتخلف الذي تأخر بنفسه والمراد المنافقون الذين خلفهم النبي عليه السلام بالمدينة حين الخروج إلى غزوة تبوك بالإذن لهم في القعود عند استئذانهم.
﴿بِمَقْعَدِهِمْ﴾ مصدر ميمي بمعنى القعود متعلق بفرح أي بقعودهم وتخلفهم عن الغزو.
﴿خِلَـافَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ ظرف للمصدر أي خلفه وبعد خروجه حيث خرج ولم يخرجوا فالخلاف بمعنى خلف، كما في قوله تعالى :﴿وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلَـافَكَ إِلا قَلِيلا﴾ (الإسراء : ٧٦) يقال أقام زيد خلاف القوم أي تخلف عنهم بعد ذهابهم ظعن أولم يظعن ويجوز أن يكون بمعنى المخالفة
٤٧٤