فيكون انتصابه على العلة لفرح أي فرحوا لأجل مخالفتهم إياه عليه السلام بأن مضى هو للجهاد وتخلفوا عنه.
﴿وَكَرِهُوا أَن يُجَـاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ إيثاراً للدعة والخفض، أي الراحة وسعة العيش على طاعة الله مع ما في قلوبهم من الكفر والنفاق.
وفي ذكر الكراهة بعد الفرح الدال عليها تعريض بالمؤمنين الذين بذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله وآثروا تحصيل رضاه تعالى وفي قوله : كرهوا مقابلة معنوية مع فرح لأن الفرح من ثمرات المحبة.
﴿وَقَالُوا﴾ أي : قال بعضهم لبعض تثبيتاً لهم على التخلف والقعود وتواصياً فيما بينهم بالشر والفساد أو قالوا للمؤمنين تثبيطاً لهم عن الجهاد ونهياً لهم عن المعروف فقد جمعوا ثلاث خصال من خصال الكفر والضلال الفرح بالقعود وكراهة الجهاد ونهي الغير عن ذلك.
﴿لا تَنفِرُوا﴾ أي : لا تخرجوا ﴿فِى الْحَرْبِ﴾ فإنه لا تستطاع شدته وكانوا دعوا إلى غزوة تبوك في وقت نضج الرطب وهو أشد ما يكون من الحر وقول عروة بن الزبير أن خروجه عليه السلام لتبوك كان في زمن الخريف لا ينافي وجود الحر في ذلك الزمن لأن أوائل الخريف وهو الميزان يكون فيه الحر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٤
وكان ممن تخلف عن مسيره معه صلى الله عليه وسلّم أبو خيثمة ولما سار عليه السلام أياماً دخل أبو خيثمة على أهله في يوم حار فوجد أمرأتين له في عريشتين لهما في حائط قد رشت كل منهما عريشتها وبردت فيها ماء وهيأت طعاماً فلما دخل نظر إلى امرأتيه وما صنعتا فقال رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الحر وأبو خيثمة في ظل وماء بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ما هذا بالنصف، ثم قال والله لا أدخل عريشة واحدة منكما حتى ألحق برسول الله فهيئا لي زاداً ففعلتا ثم قدم ناضحة فارتحلها وأخذ سيفه ورمحه ثم خرج في طلب رسول الله حتى أدركه".
قال الحافظ :
ملول ازهمر هان بودن طريق كارد انى نيست
بكش دشوارىء منزل بياد عهد آساني
وقال :
مقام عيش ميسر نميشود بى رنج
بلى بحكم بلا بسته اند حكم الست
وقال :
من ازديار حبيبم نه ازديار غريب
مهيمنا بعزيزان خودرسان باشم
﴿قُلِ﴾ رداً عليهم وتجهيلاً ﴿نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا﴾ من هذا الحر وقد آثرتموها بهذه المخالفة فما لكم لا تحذرونها ﴿لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ أي : يعلمون أنها كذلك لما خالفوا وفي الحديث :"إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من أجزاء نار جهنم" وبيانه أنه لو جمع حطب الدنيا فأوقد كله حتى صار ناراً لكان الجزء الواحد من أجزاء نار جهنم الذي هو من سبعين جزءاً أشد من حر نار الدنيا.
وفي الخبر، لما أهبط آدم عليه السلام مضى جبرائيل إلى مالك وأخذ منه جمرة لآدم فلما تناولها أحرقت كفه فقال ما هذه يا جبرائيل قال جمرة من جهنم غسلتها سبعين مرة ثم آتيتها إليك فألق عليها الحطب واخبز وكل ثم بكى آدم وقال كيف :"تقوى أولادي على حرها فقال له جبرائيل ليس لها على أولادك المطيعين من سبيل" كما ورد في الحديث :"تقول جهنم للمؤمن جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي" ومن كان مع الله لا يحرقه شيء ألا ترى إلى حال النبي عليه السلام
٤٧٥
ليلة المعراج كيف تجاوز عن كرة الأثير ولم يحترق منه شعر وكانت النار برداً وسلاماً على إبراهيم عليه السلام.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٤
﴿فَلْيَضْحَكُوا﴾ ضحكاً ﴿قَلِيلا﴾ في الدنيا وهو إشارة إلى مدة العمر وعمر الدنيا قليل فكيف عمر من في الدنيا فإنه أقل من القليل ﴿وَلْيَبْكُوا﴾ بكاء ﴿كَثِيرًا﴾ في الآخرة في النار ﴿جَزَآءُ﴾ مفعول له للفعل الثاني أي : ليبكوا جزاء.
﴿بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ من فنون المعاصي وهذا لفظ أمر ومعناه خبر أي يضحكون قليلاً ويبكون دائماً وإنما أخرج في صورة الأمر للدلالة على تحتم وقوع المخبر به فإن أمر الآمر المطاع مما لا يكاد يتخلف عند المأمور به.
يروي أن أهل النفاق يبكون في النار عمر الدنيا لا يرقأ لهم دمع ولا يكتحلون بنوم وفي الحديث :"يرسل الله البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم حتى ترى وجوههم كهيئة الأخدود" ويجوز أن يكون الضحك كناية عن الفرح والبكاء عن الغم وأن تكون القلة عبارة عن العدم والكثرة عن الدوام.
يعني (فردا ايشانرا غمى باشد بي فرح واندوهى بى سرور) فيكون وقت الضحك والبكاء في الآخرة.
ويجوز أن يكون وقتهما في الدنيا أي هم لما هم عليه من الخطر مع رسول الله وسوء الحال بحيث ينبغي أن يكون ضحكهم قليلاً وبكاؤهم من أجل ذلك كثيراً نحو قوله عليه السلام لأمته "لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً وضحكتم قليلاً" قال ابن عمر رضي الله عنهما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلّم ذات يوم فإذا قوم يتحدثون ويضحكون فوقف وسلم عليهم فقال :"أكثروا ذكر هاذم اللذات" قلنا وما هاذم اللذات قال :"الموت" قال الصائب :
بر غفلت سياه دلان خنده ميزند
غافل مشوز خنده داندن نماى صبح