فالجواب إن الخبيث لما طلب منه أن يرسل إليه قميصه الذي يمس جلده الشريف ليدفن فيه غلب على ظنه أنه قد تاب عن نفاقه وآمن لأن ذلك الوقت وقت توبة الفاجر وإيمان الكافر فلما رأى منه إظهار الإسلام وشاهد منه هذه الأمارات الدالة على إسلامه غلب على ظنه أنه صار مسلماً فرغب في أن يصلي عليه فلما أتى جبريل وأخبره بأنه مات على كفره ونفاقه امتنع من الصلاة عليه.
وقيل : نزلت الآية بعدما صلى ولبث يسيراً فما صلى بعد ذلك على منافق ولا قام على قبره.
وأما دفع القميص إليه فذكروا فيه وجوهاً.
منها : أن العباس عم النبي عليه السلام لما أخذ أسيراً يوم بدر ولم يجدوا له قميصاً يساوي قده وكان رجلاً طويلاً كساه عبد الله قميصه فهو عليه السلام إنما دفع إليه قميصه مكافاة لإحسانه ذلك لا إعزاز له.
ومنها : أنه تعالى أمره أن لا يرد سائلاً حيث قال :﴿وَأَمَّا السَّآاـاِلَ فَلا تَنْهَرْ﴾ (الضحى : ١٠) فالضنة بالقميص وعدم إرساله سيما وقد سئل فيه مخل بالكرم.
ومنها : أنه لعله أوحي إليه أنك إن دفعت إليه قميصك صار ذلك حاملاً لدخول ألف نفر من المنافقين في الإسلام ففعل ذلك بناء عليه والله أعلم بحقيقة الحال وما علينا إلا القبول وطي المقال وهو الهادي إلى طريق التحقيق.
﴿وَلا تُعْجِبْكَ﴾ الإعجاب (شكفتى نمودن وخوش آمدن خطاب بآن حضرتست ومرادامت اند يعني در عجب ندارد شمارا) ﴿أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَـادُهُمْ﴾ الضمير للمنافقين.
قال الكاشفي :(ما لهاى منافقان اكره بسيارست وفرزندان ايشان كه قوى وبا اقتدارند) وتقديم الأموال في أمثال هذه المواقع على الأولاد مع كونهم أعزّ منها إما لعموم مساس الحاجة إليها بحسب
٤٨٠
الذات وبحسب الأفراد والأوقات فإنها مما لا بد منه لكل أحد من الآباء والأمهات والأولاد في كل وقت وحين حتى أن من له أولاده ولا مال له فهو وأولاده في ضيق ونكال وأما الأولاد فإنما يرغب فيهم من بلغ مبلغ الأبوة وإما لأن المال مناط لبقاء النفس والأولاد لبقاء النوع وإما لأنها أقدم في الوجود من الأولاد لأن الأجزاء المنوية إنما تحصل من الأغذية.
﴿أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ﴾ بما متعهم به من الأموال والأولاد.
﴿أَن يُعَذِّبَهُم بِهَا فِى الدُّنْيَا﴾ (بسبب جمع مال ومحافظت آن يوسته دررنج باشند وبراى رونق أحوال أولاد وتهيه أسباب ايشان همواره محنت ومشقت كشند) ﴿وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ﴾ الزهوق (برآمدن جان) أي : تخرج ويموتوا ﴿وَهُمْ كَـافِرُونَ﴾ أي كافرون بسبب اشتغالهم بالتمتع بها والإلهاء عن النظر والتدبر في العواقب (درويشى ميكفت اغنيا اشقى الأشقيا اند مال دنيا جمع ميكنند بأنواع رشانى وزحمت ونكاه ميدارند باصناف بليت ومشقت ويمكذارند بصد هزار حسرت)
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٨
در اول و خواهى كنى جمع مال
بسى رنج بر خويش بايد كماشت
س از بهر آن تابماند بجاى
شب وروز مى بايدت اس داشت
وزين جمله آن حال مشكلترست
كه آخر بحسرت ببايد كدشت
واعلم : أن هذه الآية مرت في هذه السورة الكريمة مع التغاير في بعض الألفاظ فالتكرير لتأكيد النصيحة بها والاعتناء بشأنها تنبيهاً على أن هذه النصيحة مما لا ينبغي أن يذهل السامع عنها، وأن الناصح لا بد له أن يرجع إليها في أثناء كلامه دائماً ولا سيما إذا تباعد أحد الكلامين عن الآخر بناء على أن الأبصار طامحة أي مرتفعة ناظرة إلى الأموال والأولاد وأن النفوس مغتبطة أي متمنية لهما حريصة عليهما والأموال والأولاد، وإن كانت نعمة في حق المؤمنين فإنها نقمة في حق المنافقين لكونها شاغلة لقلوبهم عن الله وطلبه وأشد عذاب القلوب من الحجاب ومن عذب بالحجاب فقد حرم من الإيمان، كما قال تعالى :﴿وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَـافِرُونَ﴾ أي مستورو القلوب بحجاب حب الأموال والأولاد كما في "التأويلات النجمية" وفي الحديث "الدنيا محفوفة باللذات والشهوات فلا تلهينكم شهوات الدنيا ولذاتها عن الآخرة فإنه لا دنيا لمن لا آخرة له ولا آخرة لمن لا دنيا له يعمل فيها بطاعة الله تعالى" يعني : إن المؤمن يتزود لآخرته بالعبادات المالية.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٧٨
﴿وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ﴾ من القرآن ﴿أَنْ ءَامِنُوا بِاللَّهِ﴾ أن مصدرية حذف منها الجار أي : بأن آمنوا بالله.
﴿وَجَـاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ﴾ لإعزاز دينه وإعلاء كلمته.
﴿اسْتَـاْذَنَكَ أُوْلُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ﴾ أي ذوو الفضل والسعة والقدرة على الجهاد بدناً ومالاً من المنافقين.
قال الحدادي : الطول في الحقيقة هو الفضل الذي يتمكن به من مطاولة الأعداء.