قال الرازي في سورة النساء : أصل هذه الكلمة من الطول الذي هو خلاف القصر ؛ لأنه إذا كان طويلاً ففيه كمال وزيادة كما أنه إذا كان قصيراً ففيه قصور ونقصان وسمي الغنى أيضاً طولاً لأنه ينال به من المرادات ما لا ينال عند الفقر كما أنه ينال بالطول ما لا ينال بالقصر انتهى.
﴿وَقَالُوا ذَرْنَا﴾ دعنا ﴿نَكُن مَّعَ الْقَـاعِدِينَ﴾ أي : الذين قعدوا عن الغزو لما بهم من عذر ﴿رَضُوا﴾ أي المنافقون ﴿بِأَن يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ﴾ أي : مع النساء المتخلفات في البيوت
٤٨١
والحي بعد أزواجهن جمع خالفة فالتاء للتأنيث وقد يقال الخالفة الذي لا خير فيه فالتاء للنقل من الوصفية إلى الاسمية لا للتأنيث، ولعل الوجه في تسمية من لا خير فيه من الرجال خالفة كونه غير مجيب إلى ما دعى إليه من المهمات.
﴿وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ (ومهر نهاده شده بردلهاى ايشان).
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨١
قال الحدادي : معنى الطبع في اللغة جعل الشيء كالطابع نحو طبع الدينار والدرهم قال في المصادر والتركيب يدل على نهاية ينتهى إليها الشيء حتى يختم عندها ويقاس على هذا طبع الإنسان وطبيعته وطباعه أي سجيته التي جبل عليها وخص القلب بالختم لأنه محل الفهم ولذا قال :﴿فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ﴾ ما في الإيمان بالله وطاعته في أوامره ونواهيه وموافقة الرسول والجهاد من السعادة وما في أضداد ذلك من الشقاوة.
﴿لَـاكِنِ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ﴾ بالله وبما جاء من عنده تعالى أي آمنوا كما آمن هو عليه السلام ؛ إذ لا شك أن زمان إيمان المؤمنين ما كان مقارناً لزمان إيمان الرسول، فهو كقوله تعالى :﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَـانَ﴾ (النمل : ٤٤) أي : إسلام سليمان أي أسلمت كما أسلم سليمان ﴿جَـاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ﴾ لكن لم يختل أمر الجهاد بتخلفهم لأنه قد جاهد من هو خير منهم وأخلص نية ومعتقداً ﴿وَأُوالَـائِكَ﴾ (وآن كروه) ﴿لَهُمْ﴾ بواسطة نعوتهم المذكورة ﴿الْخَيْرَاتِ﴾ أي : منافع الدارين النصر والغنيمة في الدنيا والجنة والكرامة في العقبى.
ويجوز أن يكون معناه الزوجات الحسان في الجنة وهن الحور لقوله تعالى :﴿فِيهِنَّ خَيْرَاتٌ حِسَانٌ﴾ (الرحمن : ٧٠) وهي جمع خيرة تخفيف خيرة وخيرات العابدين هي الحسنات فهي متعلقة بأعمالهم وخيرات العارفين مواهب الحق تعالى فهي متعلقة بأحوالهم ﴿وَأُولَئكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ أي : الفائزون بالمطلوب لا من حاز بعضاً من الحظوظ الفانية عما قريب.
﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ﴾ أي : هيأ لهم في الآخرة ﴿جَنَّـاتُ﴾ جمع جنة وهي البستان الذي فيه أشجار مثمرة ﴿تَجْرِى مِن تَحْتِهَا﴾ أي : من أسافل أرضها أو من تحت أشجارها أو من تحت القصور والغرف لا تحت الأرض.
﴿الانْهَـارَ﴾ جمع نهر وهو مسيل الماء سمي به لسعته وضيائه، وفي الحديث :"في الجنة بحر اللبن، وبحر الماء، وبحر العسل، وبحر الخمر" ثم تشتق الأنهار منها بعد وقيل النهر واحد ويجري فيه الخمر والماء والعسل واللبن لا يخالط بعضها بعضاً، وقال بعضهم الجاري واحد ويختلف باختلاف الأمنية.
﴿خَـالِدِينَ فِيهَآ﴾ أي : مقدراً خلودهم في تلك الجنات الموصوفة.
﴿ذَالِكَ﴾ إشارة إلى ما فهم من إعداد الله سبحانه لهم الجنات المذكورة من نيل الكرامة العظمى.
﴿الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ الذي لا فوز وراءه فازوا بالجنة ونعيمها ونجوا من النار وجحيمها وفي الحديث :"من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله حرم الله عليه النار" وفي الخبر :"من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة" فقد اشترط في هذا القول الإخلاص ولا يكون الإخلاص إلا بمنعه من الذنوب وإلا فليس بمخلص ويخاف أن يكون ذلك القول عنده عارية والعارية تسترد منه والإخلاص من صفات القلب وتحليته بالأوصاف الحميدة إنما هي بعد تزكية النفس عن الرذائل.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٨١
قال في "التأويلات النجمية" : الخلاص من حجب النفس وصفاتها هو الفوز العظيم لأن عظم الفوز على قدر عظم الحجب ولا حجاب أعظم من حجاب النفس والفوز منها يكون فوزاً عظيماً انتهى.
وفي "المثنوي" :
٤٨٢
جمله قرآن شرح خبث نفسهاست
بنكر اندر مصحف آن شمت كجاست
هين مرواندر ى نفس وازغ
كوبكورستان برد نى سوى باغنفس اكره زيركست وخرده دان
قبله اش دنياست اورا مرده دان


الصفحة التالية
Icon