وفي الصبي والمجنون لا يستغفر لهما لعدم ذنبهما، بل يقول : اللهم اجعله لنا فرطاً واجعله لنا أجراً وذخراً واجعله لنا شافعاً مشفعاً، أي : مقبول الشفاعة ومن لم يحسن قال : اللهم اغفر لي ولوالدي ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات برحمتك يا أرحم الراحمين وروي أنه صلى الله عليه وسلّم لما أدرج في أكفانه ووضع على سريره ثم وضع على شفير قبره المنور وذلك يوم الثلاثاء دخل عليه أبو بكر رضي الله عنه مع نفر من المهاجرين والأنصار بقدر ما يسع البيت وذلك بعد ما بويع له بالخلافة وصلى على النبي عليه السلام بأربع تكبيرات وضمن صلاته هذا الدعاء وهو اللهم إنا نشهد أنه صلى الله عليه وسلّم قد بلغ ما أنزل الله عليه ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه وتمت كلمته، فاجعلنا إلهنا ممن تبع القول الذي أنزل معه، واجمع بيننا وبينه حتى تعرفه بنا وتعرفنا به فإنه كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً لا نبتغي بالإيمان به بدلاً ولا نشتري به ثمناً أبداً وإنما خصوا هذا الدعاء بالذكر ؛ لأنه الذي يليق به صلى الله عليه وسلّم ومن ثمة استشاروا كيف يدعون له فأشير بمثل ذلك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٥
ثم يكبر ويسلم تسليمتين عن يمين وشمال بنية من ثمة إلا الميت غير رافع صوته مثل سائر الصلوات ويسنّ خفض الثانية ويرسل بعد الرابعة يديه لأنه ليس بعدها ذكر والركن هو التكبيرات الأربع وأما الثناء والصلاة والدعاء والسلام فسنن كما في "الجلابي" ولا يرفع يديه إلا في التكبير الأول لأنه شرع بين كل تكبيرتين ذكر مقتدر فإذا فرغ منه علم أنه جاء أوان الآخر.
قال في "الأشباه" لو قرأ الفاتحة في صلاته على الجنازة إن قصد الثناء والدعاء لم يكره، وإن قصد القراءة كره انتهى.
وإذا أدرك الإمام في الصلاة وقد سبق ببعض تكبيراتها ينتظر تكبيرة أخرى فيتابع الإمام فيه ثم يأتي بما سبق به بعد سلام الإمام متوالياً وعند أبي يوسف والشافعي لا ينتظر بل يكبر ويشرع معه وأما إذا أدرك بعد الرابعة لا يكبر عندهما لفوات الصلاة عليه ويكبر عند أبي يوسف فإذا سلم الإمام قضى ثلاث تكبيرات ولو كان حاضراً وقت
٤٩٨
التحريمة ولم يكبر مع الإمام للافتتاح فهو لا ينتظر تكبير الإمام بل يشرع ويكبر ولو اجتمعت الجنائز يصلى عليهم دفعة واحدة كذا في "المحيط".
والصلاة على الكبير أفضل من الصلاة على الصغير كما في "المضمرات".
والثالث : ما الحكمة في عدم فرض الركوع والسجود في صلاة الجنازة قيل : لأن صلاة الجنازة دعاء وثناء واستشفاع للميت والركوع والسجود خاص بالتعبدتعالى من غير واسطة اختص به الملة المحمدية لأن السجدة كانت تجوز لتعظيم المخلوق في الملة السالفة ونحن نهينا عن الركوع والسجود لغير الله تعالى.
وقيل : لأن الميت اعترض بين المصلي وبين الله تعالى فلو أمر بالركوع والسجود لتوهم الأعداء والجهلة أنه للميت كما توهم الشيطان من سجود الملائكة أنه لآدم عليه السلام فأبى حسداً وعصى جهلاً وإن كان ساجداً متعبداً قبل ذلك فافتتن بجهله وحسده باحتجابه عن كون المسجود له في الحقيقة هو الحق وقالب آدم بمنزلة المحراب.
قال الجامي :
اي آنكه بقبله بتان روست ترا
برغمغز را حجاب شد وست ترا
دل درى اين وآن نه نيكوست ترا
يكدل دارى بسست يك دوست ترا
وقال غيره :
ازان محراب ابرو رو مكردان
اكردر مسجدي وردر خرابات
والرابع : إنه يستحب جعل الصفوف في الصلاة على الميت ثلاثة وفي الحديث :"ما من مسلم يموت فيصلي عليه أمة يبلغون ثلاث صفوف إلا غفر الله له" قال الطبراني في "معجمه" الأمة أربعون إلى المائة وجاء التصريح بالعدد في حديث مسلم وهو :"ما من مسلم يصلي عليه أربعون إلا شفعوا فيه" أما سر تثليث الصفوف فلان ذلك من باب التوسع في الرجاء كأنهم يقولون جئناك بثلاثة صفوف شافعين فلا تردنا خائبين وهذا ميل تكثير الخطى إلى المساجد فإنه يستحب تقصير الخطى في المشي إلى المسجد لأنه يكتب له بكل خطوة حسنة ويحط عنه سيئة ويرفع له درجة فهو من باب التوسع في الرجاء وإذا استحب جعل الصفوف ثلاثة فالظاهر أنهم في الفضيلة سواء ولا مزية حينئذٍ للصف المقدم لأنهم مأمورون بالتأخر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٥
وقال الحلبي : أفضل صفوف الجنازة آخرها بخلاف سائر الصلوات فإن الصف الأول أعلم بحال الإمام فتكون متابعته أكثر وثوابه أوفر.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي عليه السلام أنه قال :"أول زمرة تدخل المسجد هم أهل الصف الأول وإن صلوا في نواحي المسجد" كما في "خالصة الحقائق".
وأما سر الأربعين، فلأنه لم يجتمع قط أربعون إلا وفيهم عبد صالح كما في "أسئلة الحكم" وتحصل الشفاعة بأقل الأمرين من الثلاثة الصفوف والأربعين كما في "فتح القريب" والمستحب هو الأول كما سبق.


الصفحة التالية
Icon