والخامس : إن في الدعاء والاستغفار نفعاً للميت ويصل ثواب جميع القرب إليه بدنياً كان أو مالياً كالصدقة والعتق والصلاة والصيام والحج والقراءة وأجمع المسلمون على أن قضاء الدين يسقط عن ذمة الميت التبعة وينفعه ذلك حتى لو كان من أجنبي أو من غير تركته وأجمعوا على أن الحي إذا كان له على الميت حق من الحقوق فأحله منه ينفقه ويبرأ منه كما يسقط من ذمة الحي.
قال ابن الملك : اعلم أن جعل الإنسان ثواب عمله لغيره صلاة
٤٩٩
كان أو صدقة أو غيرهما جائز عند أهل السنة خلافاً للمعتزلة لهم أن الثواب هو الجنة ولا قدرة للإنسان على تمليكها ولنا أنه عليه السلام ضحى بكبشين أملحين أحدهما لنفسه والآخر عن أمته المؤمنين فالاعتراض على الشارع باطل إذ العبادة أنواع بدنية محضة كالصلاة فالنيابة لا تجوز فيها لأن الغرض منها وهو إتعاب النفس الأمارة لا يحصل ونوع منها مالية محضة كالزكاة فالنيابة فيها تجوز لأن الغرض منها وهو إغناء الفقير يحصل بالنيابة لكن لا تؤخذ من تركته بغير وصية ونوع منها مركبة منهما كالحج فمن حيث إنه متعلق بالبدن لا تجوز فيه النيابة عند الاختيار ومن حيث إنه متعلق بالمال جاز فيه النيابة عند الاضطرار وهو العجز الدائم عن أدائه هذا في الحج الفرض وأما في النفل فالنيابة جائزة مع القدرة لأن في النفل سعة.
قال في "فوائد الفتاوى" : الأولى أن يوصي بإسقاط صلاة عمره بعد البلوغ وإن صلاها بغير ترك لاحتمال الفساد أو النقصان في أركانها انتهى وإذا أوصى رجل يطعم عنه وليه لصلاة الفائتة بعد موته فالوصية جائزة ووجب تنفيذها من ثلث ماله يعطى عن كل مكتوبة نصف صاع من الحنطة وفي صوم النذر كذلك ولا يجوز أن يصوم عنه الولي كما لا يجوز صلاته له لقوله عليه السلام :"لا يصوم ولا يصلي أحد عن أحد".
قال القهستاني : والقياس أنه لا يجوز الفداء عن الصلاة وإليه ذهب البلخي كما في "قاضيخان" والاستحسان أن يجوز الفداء عنهما أما في الصوم فلورود النص وأما في الصلاة فلعموم الفضل ولذا قال محمد إنه يجزى بها إن شاء الله تعالى وينبغي أن يفدي قبل الدفن وإن جاز بعده.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٥
وقال في "الأشباه" : إذا أراد الفدية عن صوم أبيه أو صلاته وهو فقير يعطي منوين من الحنطة فقيراً ثم يستوهبه ثم يعطيه وهكذا وذلك بعد أن يسقط من عمره اثنتي عشرة سنة ويسقط من عمرها تسعة لأن أقل مدة بلوغ الرجل اثنتا عشرة سنة ومدة بلوغ المرأة تسع سنين كما ذكره في "الوقاية" في آخر كتاب الحجر.
ومما ينبغي أن يعلم أن المعتبر في الطعام للصلاة قدر الطعام دون عدد المساكين حتى لو أعطى مسكيناً واحداً في يوم واحد أكثر من نصف صاع من البر يجوز ولا يجوز ذلك في كفارة الصوم والظهار لأن المعتبر فيهما عدد المسكين كذا في "شرح النقاية".
وكره دفع نصاب أو أكثر إلى فقير غير مديون لأن الانتفاع به صادف حال الغنى ولو صادف حال الفقر لكان أكمل فلو كان مديوناً أو صاحب عيال لا يكره لأنه لا يكون به غنياً.
﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ الاستفهام للتقرير، أي : ألم يعلم أولئك التائبون.
﴿أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ﴾ الصحيحة الخالصة ﴿عَنْ عِبَادِهِ﴾ المخلصين فيها ويتجاوز عن سيئاتهم كما يفصح عنه كلمة عن.
قال الحداد : قبول التوبة إيجاب الثواب عليها ﴿وَيَأْخُذُ الصَّدَقَـاتِ﴾ أي : جنس الصدقات صدقاتهم وصدقات غيرهم أراد به أخذ النبي عليه السلام والأئمة بعده لأن أخذهم لا يكون إلا بأمر الله وكان الله هو الآخذ.
قال البيضاوي : يقبلها قبول من يأخذ شيئاً ليؤدي بدله ففيه استعارة تبعية لأن الآخذ حقيقة هو الرسول عليه السلام لا من عينه لأخذها.
والصدقات جمع صدقة تطلق على الواجب والتطوع وغلب على أفواه العامة تسمية الواجب من الماشية صدقة ومن النبات عشراً ومن النقود زكاة كما في "فتح القريب" ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ﴾ أي : المتجاوز عمن تاب وهو الذي يرجع بالإنعام
٥٠٠
على كل مذنب رجع إلى التزام الطاعة.
وفي "التأويلات النجمية" : هو التواب هو الموفق للتوبة بلطفه وكرمه ولولا توفيقه ما تاب مذنب قط كما لا يتوب إبليس لعدم التوفيق.
وفي "المثنوي" :
جز عنايت كه كشايد شم را
جز محبت كه نشاند خشم را
جهد بي توفيق خودكس را مباد
درجهان والله أعلم بالرشاد
﴿الرَّحِيمِ﴾ من مات على التوبة ورحمة الله على العباد إرادة الإنعام عليهم ومنع الضرر عنهم.
ويجوز أن يرجع ضمير ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ إلى غير التائبين من المؤمنين فالآية إذاً ترغيب للعصاة في التوبة والصدقة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٥


الصفحة التالية
Icon