تا عيب نكسترند ما را
در بسته ه سود عالم الغيب
داناى نهان وآشكارا
﴿وَءَاخَرُونَ﴾ عطف على آخرون قبله، أي : ومن المتخلفين من أهل المدينة ومن حولها من الأعراب قوم آخرون غير المعترفين المذكورين.
﴿مُرْجَوْنَ﴾ قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص مرجون بالواو على أن يكون أصله مرجيون بالياء والباقون مرجؤون بالهمزة يقال أرجيته وأرجأته بالياء والهمزة إذا أخرته والنسبة إلى المهموز مرجئيّ كمرجعي لا مرج كمعط وإلى غير مرجيّ بياء مشددة عقيب الجيم وهم المرجئة بالهمزة والمرجية بالياء مخففة كما في "القاموس" والمرجئة : قوم لا يقطعون على أهل الكبائر بشيء من عفو أو عقوبة بل يرجئون الحكم في ذلك، أي يؤخرونه إلى يوم القيامة كما في "المغرب" والمعنى مؤخرون.
﴿لامْرِ اللَّهِ﴾ في شأنهم، أي : حتى ينزل الله فيهم ما يريد.
﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ﴾ إن بقوا على ما هم عليه من الحال وهو عدم المسارعة إلى التوبة والاعتذار دون النفاق فإنهم كانوا غير مخلصين.
﴿وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ إن خلصت نيتهم وصحت توبتهم والجملة في محل النصب على الحالية أي منهم هؤلاء إما معذبين وإما متوباً عليهم.
فإن قلت : إما للشك والله تعالى منزه عنه إذ هو عالم بما يصير إليه أمرهم.
٥٠٢
قلت : الترديد راجع إلى العباد، والمعنى ليكن أمرهم عندكم بين الخوف والرجاء.
وقال أبو البقاء : إذا كانت إما للشك جاز أن يليها الاسم وجاز أن يليها الفعل فإن كانت للتخيير وقع الفعل بعدها وكانت معه أن، كقوله إما أن تلقي.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بأحوالهم ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما فعل بهم من الارجاء وغيره.
والآية نزلت في ثلاثة نفر من المتخلفين وهم كعب بن مالك ومرارة بن الربيع العمري، وهلال بن أمية كانوا من أهل بدر ومياسير ومع ذلك تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم في غزوة تبوك.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٥
قال كعب بن مالك : أنا أفره أهل المدينة جملاً فمتى شئت لحقت العسكر فتأخر أياماً وأيس بعدها من اللحوق بهم فندم على ما صنعه، وكذلك صاحباه، ولكن لم يفعلوا ما فعله أبو لبابة وأصحابه من شد أنفسهم على السواري وإظهار الغم والجزع، فوقفهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية ونهى الناس أن يجالسوهم أو يؤاكلوهم أو يشاربوهم، وأمرهم باعتزال نسائهم وإرسالهن إلى أهليهن فجاءت امرأة هلال تسأل أن تأتيه بطعامه فإنه شيخ كبير فأذن لها في ذلك خاصة، وجاء رسول من الشام إلى كعب برغبة في اللحاق بهم، فقال كعب : بلغ من خطيئتي إلى أن طمع فيّ المشركون قال فضاقت عليّ الأرض بما رحبت وبكى هلال بن أمية حتى خيف على بصره فجعل ناس يقولون : هلكوا إن لم ينزل الله لهم عذراً، وآخرون يقولون عسى الله أن يغفرلهم فصاروا عندهم مرجئين لأمر الله إما يعبذهم وإما يرحمهم حتى تنزلت توبتهم بعد ما مضى خمسون يوماً بقوله :﴿لَّقَد تَّابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِىِّ﴾ (التوبة : ١١٧) إلى قوله :﴿وَعَلَى الثَّلَـاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ (التوبة : ١١٨) الآية أخر الله تعالى أمرهم مدة ثم بين توبتهم على أجمل الوجوه حيث قرن توبتهم بتوبته تعالى على النبي صلى الله عليه وسلّم والمهاجرين والأنصار وعلم منه أن الهجران للتربية جائز ولو فوق ثلاثة أيام ألا ترى إلى الأصحاب كيف قطعوا سلامهم وكلامهم من أولئك الثلاثة إلى أن بلغ الكتاب أجله وأن إخلاص النية وتفويض الأمور إلى الله تعالى سبب لرحمة الله تعالى وأن البكاء أيضاً مدار لقبول التوبة وإخلاص الحال فلا بد من الاستغفار والبكاء على الأوزار.
حكي عن بعض أصحاب فتح الموصلي قدس سره قال : دخلت يوماً على فتح فوجدته يبكي وقد خالطت دموعه صفرة فقلت له بالله عليك يا سيدي هل بكيت الدم، فقال والله لولا أنك أقسمت علي بالله عز وجل ما أخبرتك بكيت الدمع وبكيت الدم فقلت علامَ بكيت الدم؟ قال : على تخلفي عن الله تعالى فعلام بكيت الدم قال على الدموع أن لا تصح لي أن لا تقبل مني قال : فلما توفي رأيته في المنام فقلت : ما فعل الله بك قال غفر لي وقربني ربي وقال : يا فتح بكيت كل هذا البكاء على ماذا فقلت يا رب على تخلفي عن حقك قال والدم لم بكيته قلت : يا رب على الدموع أن لا تصح لي قال : يا فتح فما أردت بهذا كله وعزتي وجلالي لقد صعد إليّ حافظاك أربعين سنة بصحيفتك وما فيها خطيئة فهذه حال أكابر أولياء الله تعالى يسيئون الظن بأنفسهم ويجتهدون في الله وإن علموا العفو والمغفرة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٤٩٥
ووقف الفضيل في بعض حجاته ولم ينطق بشيء فلما غربت الشمس قال واسوأتاه وإن عفوت.
يقول الفقير : وهذا كلام حق فإن من الفضاحة العصيان، ومن الفضاحة أيضاً بقاء أثره الدنيوي بعد الغفران ألا ترى أن عتقاء جهنم لا يستريحون يوم القيامة، وإن دخلوا الجنة إلى أن يمحو الله تعالى ما كتب على جباهم من الأثر.
قال الحافظ قدس سره :
٥٠٣
هر ندكه هجران ثمر وصل برآرد
دهقان ازل كاشكه اين تخم نكشتى


الصفحة التالية