قال الكاشفي :(وهر آيينه سوكند ميخورند ون كسى كويد جرا اين مسجد ساختيد) ﴿إِنَّ﴾ نافية.
﴿أَرَدْنَآ﴾ أي : ما أردنا ببناء هذا المسجد.
﴿إِلا الْحُسْنَى﴾ إلا الخصلة الحسنى، وهي الصلاة وذكر الله والتوسعة على المصلين.
﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـاذِبُونَ﴾ في حلفهم ذلك ولما نزلت هذه الآية وأعلمه الله بخبرهم وما هموا به دعا، أي رسول الله الوحشي قاتل حمزة وجماعة معهم فقال لهم :"انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه" فخرجوا سراعاً وأخذوا سعفاً من النخل وأشعلوا فيه النار وذلك بين المغرب والعشاء وهدموه إلى الأرض، وأمر النبي عليه السلام أن يتخذ كناسة يلقى فيها القمامة والجيف ثم بعد زمان أعطاه صلى الله عليه وسلّم لثابت بن أرقم يجعله بيتاً فلم يولد في ذلك البيت مولود قط وحفر فيه بقعة فخرج منها الدخان ومات أبو عامر بالشام وحيداً غريباً وذلك أنه عليه السلام لما قدم المدينة أقبل إليه أبو عامر فقال : ما هذا الذي جئت به قال :"جئت بالحنيفة دين إبراهيم" قال أبو عامر وأنا عليها فقال عله السلام :"إنك لست عليها" قال : بلى ولكنك أدخلت في الحنفية ما ليس فيها فقال عليه السلام :"ما فعلت ذلك ولكن جئت بها بتضاء نقية" فقال أبو عامر أمات الله الكاذب منا طريداً وحيداً غريباً فقال عليه السلام :"آمين" فسماه أبا عامر الفاسق مكان الراهب، فمات كافراً بقنسرين وهي بكسر القاف وتشديد النون المفتوحة أو المكسورة اسم بلدة في الشام ومع هذه الخباثة كان له ولد صالح يقال له أبو حنظلة استشهد يوم أحد فغسلته الملائكة عليهم السلام.
قال السعدي قدس سره :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٤
هنر بنماى اكر دارى نه كوهر
كل ازخارست وإبراهيم از آزر
وفي الآية إشارة إلى أن أهل الطبيعة ﴿اتَّخَذُوا﴾ مزبلة النفس ﴿مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾ لأرباب الحقيقة.
﴿وَكُفْرًا﴾ بأحوالهم كما أنهم اتخذوا بستان القلب مسجداً يذكرون الله فيه ويطلبونه وهذا
٥٠٦
وصف مدعي الطلب الكذابين في دعواهم المتشبهين بزي أرباب الصدق والطلب.
﴿وَتَفْرِيقَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الطالبين الصادقين بإظهار الدعوى من غير المعنى، أي : يفرقون بين الإخوان في الله في طلب أنواع الحيل تارة بطلب صحبة معهم ومرافقتهم في الأسفار وتارة بذكر البلدان وكثرة النعم فيها وطيب هوائها وكرم أهلها وإرادتهم لهذه الطائفة ليزعجوهم عن خدمة المشايخ وصحبة الإخوان.
﴿وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَه مِن قَبْلُ﴾ ليوقعوهم في بلاء صحبة الإباحية من مدعي الفقر والمعرفة وهم يحاربون الله بترك دينه وشريعته ورسوله بترك متابعته وإحياء سنته ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَآ إِلا الْحُسْنَى﴾ فيما دعوناكم إليه ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَـاذِبُونَ﴾ فيما يدعون ويحلفون كذا في "التأويلات النجمية" :
﴿لا تَقُمْ﴾ يا محمد للصلاة ﴿فِيهِ﴾ أي : في مسجد هؤلاء المنافقين ﴿أَبَدًا﴾.
قال سعدى المفتي : أي لا تصل فيه عبر بالقيام عن الصلاة كما في قولهم لأن يقوم الليل ومنه الحديث الصحيح :"من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" ﴿لَّمَسْجِدٌ﴾ مسجد قبا واللام للابتداء أو القسم ﴿أَسَّـاسَ﴾ التأسيس إحكام اس البناء وهو أصله يعني اسسه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصلى فيه أيام مقامه بقبا.
﴿عَلَى التَّقْوَى﴾.
قال في "التبيان" : أي بنيت حدوده ورفعت قواعده على طاعة الله.
وفي "الحدادي" : لوجه الله وعلى ههنا للمصاحبة بمعنى مع كما في قوله تعالى :﴿وَءَاتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ﴾ (البقرة : ١٧٧) كما في "حواشي سعدى" المفتي ﴿مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ من أيام وجوده وتأسيسه متعلق بأسس وكلمة من الجارة إذا كانت للابتداء تجر المكان كثيراً كما في قولك جئت من البصرة وقد تجر الزمان أيضاً عند الكوفيين، كما في هذه الآية فالمعنى منذ أول يوم بني لأن منذ لابتداء الغاية في الزمان تقول ما رأيته منذ شهر.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٤
وقال الرضي :(من) في الآية بمعنى في وذلك كثير في الظروف، ويقال أراد بالمسجد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالمدينة والأول أشهر وأوفق للقصة إذ المسجد بقبا فالموازنة بينهما أولى من الموازنة بين ما بقبا وما بالمدينة.
قال الحدادي : لا يمتنع أن يكون المراد بالمسجد الذي أسس على التقوى كلا المسجدين مسجد النبي عليه السلام ومجسد قبا ﴿أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ﴾ أي : أولى أن تصلي فيه.
فإن قيل : لِمَ قال الله تعالى أحق أن تقوم فيه، مع أن المفاسد الأربع المذكورة بقوله ضراراً وكفراً وتفريقاً وإرصاداً تمنع جواز قيامه في الآخر.