والجواب : أن الكلام مبني على النزول والمعنى لو فرضنا جواز القيام في مسجد الضرار لحان القيام في مسجد التقوى أحق وأولى لكونه على قاعدة محكمة فكيف والقيام فيه باطل لكونه مبنياً لأغراض فاسدة، ويجوز أن يقال : أحق ليس للتفضيل بل بمعنى حقيق، كما قال المولى أبو السعود، والمراد بكونه أحق كونه حقيقاً به إذ لا استحقاق في مسجد الضرار رأساً وإنما عبر عنه بصيغة التفعيل لفضله وكماله في نفسه أو الأفضلية في الاستحقاق المتناول ما يكون باعتبار زعم الباني ومن يتابعه في الاعتقاد وهو الأنسب بما سيأتي.
﴿فِيهِ﴾ أي : في المسجد المؤسس على التقوى.
﴿رِجَالٌ﴾ يعني : الأنصار جملة مستأنفة مبنية لأحقيته لقيامه عليه السلام فيه من جهة الحال بعد بيان أحقيته له من حيث المحل.
﴿يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا﴾ من الأنجاس والأخباث مطلقاً بدنية كانت أو عملية كالمعاصي والخصال الذميمة.
﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ أي : يرضى عن
٥٠٧
المتطهرين ويدنيهم من جنابه ءدناء المحب حبيبه.
روي أن هذه الآية لما نزلت مشى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه المهاجرون حتى وقف على باب مسجد قباء، فإذا الأنصار جلوس فقال :"أمؤمنون أنتم" فسكت القوم ثم أعادها فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله إنهم لمؤمنون وأنا معهم فقال عليه السلام :"أترضون بالقضاء" قالوا نعم قال :"أتصبرون على البلاء" قالوا : نعم قال :"أتشكرون في الرخاء" قالوا : نعم قال عليه السلام :"مؤمنون ورب الكعبة" فجلس ثم قال :"يا معشر الأنصار إن الله قد أثنى عليكم فما الذي تصنعون عند الوضوء وعند الغائط" فقالوا نتبع الغائط الأحجار الثلاثة ثم نتبع الأحجار الماء فتلا ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا﴾ وفي كلام بعضهم أول من استنجى بالماء إبراهيم عليه السلام والاستنجاء مسح موضع النجو، أي ما خرج من البطن وهو في الأصل أعم منه ومن غسله كما في "المغرب" فيطهر موضع النجو بثلاثة أمداد فإن لم يجد فبالأحجار فإن لم يجد فكفه ولا يستنجى بما سوى الثلاثة لأنه يورث الفقر والمقصود التنقية فلو حصل بالواحد كفاه ولم يحصل بالثلاثة زاد، ولا يستنجى من النوم والريح فإنه بدعة وليس على المستحاضة استنجاء لكل صلاة بلا بول غائط كما في "النوازل" واستعمال المنشفة أدب وذلك قبل أن يقوم وبعد الغسل ليزول أثر الماء المستعمل بالكلية وكان الأنصار يتبعون الماء أثر البول أيضاً وعن بعضهم أن المراد التطهر من الجنابة فلا ينامون عليها وفي الحديث :"ثلاثة لا تقربهم الملائكة" المراد بالملائكة هنا هم الذين ينزلون بالرحمة والبركة دون الحفظة فإنهم لا يفارقونه على أي حال من الأحوال.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٤
وقال بعض العلماء : المراد بالملائكة غير الحفظة وغير ملائكة الموت وقيل أراد لا تحضره الملائكة بخير "جيفة الكافر" المراد بها ذاته حياً وميتاً لأن الكافر نجس بعيد من الرحمة في الحياة وبعد الموت "والمتضمخ" بالضاد والخاء المعجمتين أي المتلطخ المتدهن بالخلوق بفتح الخاء المعجمة طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الخمرة والصفرة.
وقال أبو عبيدة عند العرب هو الزعفران وحده ووجه النهي عن الخلوق لما فيه من الرعونة والتشبه بالنساء والنهي عن الخلوق مختص بالرجال دون النساء كما في "المفاتيح" "والجنب" الجنابة لغة البعد وسمي الإنسان جنباً لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر وقيل لمجانبته الناس حتى يغتسل "إلا أن يتوضأ" وهذا في حق كل من أخر الغسل لغير عذر أو لعذر إذا أمكنه الوضوء فلم يتوضأ.
وقيل : لم يرد بالجنب من إصابته جنابة فأخر الاغتسال ولكنه الجنب الذي يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة لأن النبي صلى الله عليه وسلّم كان ينام وهو جنب ويطوف على نسائه بغسل واحد.
وفي الشرعة : وينام بعد الوطء نومة خفيفة فإنه أروح للنفس لكن السنة فيه أن يتوضأ أولاً وضوءه للصلاة ثم ينام كما في "شرح ابن السيد علي".
قال في "فتح القريب" المراد بالوضوء الشرعي بلا خلاف وفي رواية شعبة "اغسل ذكرك ثم توضأ وارقد" هذا هو الصحيح يعني الأمر بغسل الذكر ثم الوضوء ومن نام ولم يتوضأ فليستغفر الله تعالى ولو أراد العود أي من غير نوم فليتوضأ أي ليتنظف بغسل الذكر واليدين فليس المراد بالوضوء الشرعي المشهور كما ذهب إليه المالكية كما في "شرح المشارق".
والوضوء يطلق على غسل اليدين كما في قوله عليه السلام :"الوضوء قبل الطعام ينفي
٥٠٨


الصفحة التالية
Icon