الفقر".
وإذا توضأ وضوءه للصلاة وأراد أن ينام فهل الأولى أن ينوي رفع الحدث الأصغر أو ينوي سنة العود أو رفع الجنابة أو ما أصابه من الأعضاء المغسولة الظاهر الأول ليكون عبادة مستقلة أو مخففة للحدث بزوال أحد الحدثين كذا في "فتح القريب".
وفيه أيضاً اختلف في علة الوضوء فقيل لأنه يخفف الحدث وقيل ليبيت على إحدى الطهارتين خشية أن يموت في نومه ذلك لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه جنب فيزول ذلك بالوضوء ومذهب الشافعي ومالك استحباب الوضوء للجنب قبل النوم لأنه عليه السلام كان يفعل ذلك.
وعن بعض المالكية لا تسقط العدالة بتركه لاختلاف العلماء فيه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٤
وقال بعضهم : في الآية يحبون أن يتطهروا بالحمى المكفرة لذنوبهم فحموا عن آخرهم.
روي أن جابراً قال استأذنت الحمى على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال :"من هذه" قيل : أم ملدم فأمر بها عليه السلام إلى أهل قبا فلقوا فيها ما لا يعلمه إلا الله فشكوا إليه عليه السلام فقال :"إن شئتم دعوت الله ليكشفها عنكم وإن شئتم تكون لكم طهوراً" قالوا أو تفعل ذلك قال :"نعم" قالوا فدعها وقد "جاء أن حمى ليلة كفارة سنة ومن حم يوماً كان له براءة من النار وخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه" وعن عائشة رضي الله عنها لما قدمت المدينة أخذتها الحمى فسبتها فقال عليه السلام :"لا تسبيها فإنها مأمورة ولكن إن شئت علمتك كلمات إذا قلتهن أذهبها الله تعالى عنك" قالت علمني قال :"قولي اللهم ارحم جلدي الرقيق وعظمي الدقيق من شدة الحريق يا أم ملدم إن كنت آمنت بالله العظيم فلا تصدعي الرأس ولا تنتني الفم ولا تأكلي اللحم ولا تشربي الدم وتحولي عني إلى من اتخذ مع الله إلهاً آخر" فقالتها فذهبت عنها ولما استوخم المهاجرون هواء المدينة ولم يوافق أمزجتهم فمرض كثير منهم وضعفوا تشوقوا إلى مكة المكرمة ولذا نظر عليه السلام يوماً إلى السماء لأنها قبلة الدعاء وقال :"اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة وبارك لنا في مدها وصاعها وصححها لنا ثم انقل وباءها إلى مهيعة" أي : الجحفة وهي قرية قريبة من رابغ محل إحرام من يجيء من جهة مصر حاجاً وكان سكانها إذ ذاك يهوداً ودعاؤه عليه السلام أن يحبب إليهم المدينة إنما هو لما جبلت عليه النفوس من حب الوطن والحنين إليه ومن ثم جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أنها سألت رجلاً بحضور النبي عليه السلام قدم المدينة من مكة، فقالت له : كيف تركت مكة فذكر لها من أوصافها الحسنة ما غرغرت منه عينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال :"لا تشوقها يا فلان".
فتنها درانجمن يدا شود ازسوزمن
ون مرادر خاطر آيدمسكن ومأواى دوست
وفي "أسئلة الحكم" : أن الختان للتطهر لأنه يوجب المحبة الإلهية كما قال تعالى :﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ فيحصل الاحتراز والتطهر من البول بالختان.
قال الفقهاء : الأقلف يجب عليه إيصال الماء إلى القلفة إذ لا حرج فيه وفي الحديث :"اتقوا البول فإن عامة عذاب القبر من البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر" كما في "الترغيب".
اعلم أن مسجد المنافقين إشارة إلى مزبلة النفس والمسجد المؤسس على التقوى إشارة إلى مسجد القلب وهو قد أسس على العبودية والطاعة والإقرار بالوحدانية من أول يوم الميثاق عند خطاب ألست بربكم وجواب قالوا بلى وأهله متطهرون عن الصفات الذميمة والأخلاق اللئيمة بل عن دنس الوجود ولوث الحدوث والله يحب المطهرين الفانين
٥٠٩
عن جودهم الباقين بالله ولولا محبته إياهم ما وفقهم للتطهير فتطهرهم مطلقاً أثر من آثار محبة الله لهم.
قال الحافظ :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٤
طهارت ارنه بخون جكر كند عاشق
بقول مفتى عشق اش درست نيست نماز
وفي "المثنوي" :
روى ناشسته نبيند روى حور
لا صلاة كفت إلا بالطهور
وهو بالفتح مصدر بمعنى التطهير ومنه "مفتاح الصلاة الطهور" واسم لما يتطهر به كذا في "المغرب".
﴿أَفَمَنْ أَسَّـاسَ بُنْيَـانَهُ﴾ جملة مستأنفة مبنية لخيرية الرجال المذكورين من أهل مسجد الضرار وهمزة الاستفهام للإنكار والفاء للعطف على مقدر.
والتأسيس إحكام أس البناء وهو أصله والبنيان مصدر كالغفران أريد به المفعول أي المبني.
والمعنى أبعد ما علم حالهم فمن أسس بنيان مسجده إذ الكلام فيه ويؤيده أسس على التقوى.