وقال الكاشفي :(آيا هر كس كه اساس افكند بناى دين خودرا) ﴿عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ﴾ المراد بالتقوى درجتها الثانية التي هي التقوى عن كل ما يؤثم من فعل أو ترك فيكون غير منصرف كحبلى فلا تنوين فيه إذاً.
وقرىء بالتنوين على أن يكون ألفه للإلحاق كألف أرطى.
﴿وَرِضْوَانٍ﴾ وطلب مرضاته بالاشتغال بالطاعة.
﴿خَيْرُ﴾ إطلاق خير على معتقد أصحاب مسجد الضرار من اعتقاد الاشتراك في الخيرية.
﴿أَم مَّنْ أَسَّـاسَ بُنْيَـانَهُ﴾ والمعنى، أي : الفريقين خير وأحق بالمصاحبة والصلاة معهم من أسس بناء مسجده مريداً به تقوى الله وطاعته وهم أهل مسجد قبا أم من أسس بنيان مسجده على النفاق والكفر وتفريق المؤمنين وإرصاد كافر شأنه كيد المسلمين وتوهين أمر الدين وترك الإضمار للإيذان باختلاف البنيانين ذاتاً واختلافهما وصفا وإضافة.
﴿عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ﴾ شفا الشيء بالقصر طرفه وشفيره وتثنيته شفوان والجرف بالضم والإسكان وهما لغتان الأرض التي جرفت السيوف أصلها أي حفرته وأكلته والهاري المتصدع المشرف على السقوط يقال هار الجرف يهور أو يهير إذا انشق من خلفه وهو ثابت بعد مكانه فهو هائر فهاري مقلوب هاير نقلت لامه إلى مكان العين كما فعل في شاك أصله شايك فصار هاري فاعل كقاضي.
قال أبو البقاء : أصله هاور أو هاير ثم أخرت عين الكلمة فصارت بعد الراء وقلبت الواو ياء لانكسار ماقبها ثم حذفت لسكونها وسكون التنوين فوزنه بعد القلب فالع وبعد الحذف فال وعين الكلمة واو أو ياء يقال تهور البناء وتهير.
﴿فَانْهَارَ بِه فِى نَارِ جَهَنَّمَ﴾ يقال هار البناء هدمه فالانهار والانهيار (رهيده شدن) كما في "تاج المصادر" وفاعل انهار ضمير البنيان وضمير به للمؤسس الباني أي تساقط بنيانه وتناثر به أي بصاحبه في النار.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٤
قال قتادة : ذكر لنا أنه حفرت بقعة من مسجد الضرار فرؤي الدخان يخرج منها.
وقال جابر بن عبد الله : رأيت الدخان يخرج من مسجد الضرار.
قال الحدادي : كما أن من بنى على جانب نهر صفته ما ذكرنا انهار بناؤه في الماء فكذلك بناء أهل النفاق مسجد الشقاق كبناء على جرف جهنم يهور بأهله فيها.
﴿وَاللَّهُ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّـالِمِينَ﴾ أي : لأنفسهم أو الواضعين للأشياء في غير موضعها أي لا يرشدهم إلى مافيه نجاتهم وصلاحهم إرشاداً موصلاً لا محالة وأما الدلالة على
٥١٠
ما يرشدهم إليه إن استرشدوا به فهو متحقق بلا اشتباه.
والظلم في الحقيقة وضع عبادة الدنيا ومحبتها والحرص في طلبها في موضع عبادة الله تعالى ومحبته والصدق في طلبه.
﴿لا يَزَالُ بُنْيَـانُهُمُ الَّذِى بَنَوْا﴾ البنيان مصدر أريد به المفعول ووصفه بالموصول الذي صلته فعله للإيذان بكيفية بنائهم له وتأسيسه على أوهن قاعدة وأوهى أساس وللإشعار بعلة الحكم أي لا يزال مسجدهم ذلك مبنياً ومهدوماً.
﴿رِيبَةً فِى قُلُوبِهِمْ﴾ أي : سبب ريبة وشك في الدين كأنه نفس الريبة، أما حال بنائه فظاهر لما أن اعتزالهم من المؤمنين واجتماعهم في مجمع على حياله يظهرون فيه ما في قلوبهم من آثار الشرك والنفاق ويدبرون فيه أمورهم ويتشاورون في ذلك ويلقي بعضهم إلى بعض ما سمعوا من أسرار المؤمنين مما يزيدهم ريبة وشكا في الدين، وأما حال هدمه فلما أنه رسخ به ما كان في قلوبهم من الشر والفساد وتتضاعفت آثاره وأحكامه ﴿إِلا أَن تَقَطَّعَ﴾ من التفعل بحذف إحدى التاءين أي إلا أن تقطع ﴿قُلُوبِهِمْ﴾ قطعاً وتتفرق أجزاء بحيث لا يبقى لها قابلية إدراك وإضمار قطعاً وهو استثناء من أعم الأوقات أو أعم الأحوال محله النصب على الظرفية، أي : لا يزال بنيانهم ريبة في كل وقت من الأوقات أو كل حال من الأحوال إلا وقت تقطع قلوبهم فحينئذٍ يسلون عنها، وأما ما دامت سالمة فالريبة باقية فيها فهو تصوير لامتناع زوال الريبة عن قلوبهم إلى الموت، ويجوز أن يكون المراد حقيقة تقطعها عند قتلهم أو في القبور بالبلى أو في النار.
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ (وخداى تعالى داناست بتأسيس بنا وايشان كه به نيت بوده).
﴿حَكِيمٌ﴾ فيما حكم وأمر من هدم مسجدهم وإظهار نفاقهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٤
واعلم : أن في الآيتين المذكورتين إشارات : منها أن صفاء الطوية وحسن الاعتقاد، كالأساس في باب الأعمال فكما أن البناء لا يقوم على الماء بل يقوم على الأرض الصلبة كذلك الأعمال لا تقوم الأعلى محكم الاعتقاد، وهو الباعث على الإخلاص العمل الذي هو إرادة التقرب إلى الله تعالى وتعظيم أمره وإجابة دعوته وضده النفاق وهو التقرب إلى الخلق من دون الله تعالى.
وأما إخلاص طلب الأجر فهو إرادة نفع الآخرة بعمل الخير وضده الرياء وهو إرادة نفع الدنيا بعمل الآخرة سواء أراده من الله أو من الناس لأن الاعتبار في الرياء بالمراد لا بالمراد منه.