قال ابن ملك في "شرح المشارق" المبايعة من جهة الرسول عليه السلام هو الوعد بالثواب ومن جهة الآخر التزام طاعته ﴿أَنفُسِهِمْ﴾ (نفسهاى ايشا نراكه مباشر جهاد شوند) فالمراد بالنفس هو البدن الذي هو المركب والآلة في اكتساب الكمالات للروح المجرد الإنساني ﴿وَأَمْوَالَهُم﴾ (وما لهاى ايشانراكه درراه نفقه كنند) فالمال الذي هو وسيلة إلى رعاية مصالح هذا المركب ﴿بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾ (با آنكه مرايشانرا باشد بهشت) أي باستحقاقهم الجنة في مقابلتها وهو متعلق باشترى ودخلت الباء هنا على المتروك على ما هو الأصل في باء المقابلة والعوض ولم يقل بالجنة مبالغة تقرر وصول الثمن إليهم واختصاصه بهم كأنه قيل بالجنة الثابتة لهم المختصة بهم.
فإن قيل : كيف يشتري أحد ملكه بملكه والعبد وماله لمولاه؟
قيل : إنما ذكر على وجه التحريض في الغزو، يعني (اي بنده ازتو بذل كردن نفس ومال واز من عطا دادن بهشت بي زوال) ففيه تلطف للمؤمنين في الدعاء إلى الطاعة البدنية والمالية وتأكيد للجزاء كما قال تعالى :﴿مَّن ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾ (البقرة : ٢٤٥) فذكر الصدقة بلفظ القرض للتحريض على ذلك والترغيب فيه إذ القرض يوجب رد المثل لا محالة وكأن الله تعالى عامل عباده معاملة من هو غير مالك، فالاشتراء استعارة عن قبول الله تعالى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله وإثابته إياهم بمقابلتها الجنة فالله تعالى بمنزلة المشتري والمؤمن بمنزلة البائع وبدنه وأمواله بمنزلة المبيع الذي هو العمدة في العقد والجنة بمنزلة الثمن الذي هو الوسيلة وإنما لم يجعل الأمر على العكس بأن يقال إن الله باع الجنة من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم ليدل على أن المقصد في العقد هو الجنة وما بذله المؤمنون في مقابلتها من الأنفس والأموال وسيلة إليها إيذاناً بتعلق كمال العناية بأنفسهم وأموالهم.
وعن جعفر الصادق رضي الله عنه : أنه كان يقول يا ابن آدم اعرف قدر نفسك، فإن الله عرفك قدرك لم يرض أن يكون لك ثمن غير الجنة.
وفي "المثنوي" :
خويشتن نشناخت مسكين آدمى
از فزونى آمد وشد در كمى
خويشتن را آدمى ارزان فروخت
بود اطلس خويش را بردلق دوخت
قال الكاشفي :(نفس سرمايه سر وشورست ومال سبب طغيان وغرورو اين دو ناقص معيوب را رراه خداكن وبهشت باقى مرغوبرا بستان) :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٤
سك بينداز وكهر مى ستان
خاك زمين مى ده وزر مى ستان
در عوض فانىء خوار وحقير
نعمت اكيزه باقي بكير
وفي "التفسير الكبير" : حكي في الخبر أن الشيطان يخاصم ربه بهذه الآية ويحتج بالمسألة الشرعية في البيع إذا اشترى المشتري متاعاً معيوباً يرده إلى البائع.
يقول : يا رب أنت اشتريت نفوسهم وأموالهم فنفوسهم وأموالهم كلها معيوبة ردّ لي عبادك بشرعك وعدلك يكونوا معي حيث أكون فيقول الله تعالى أنت جاهل بشرعي وعدلي وفضلي إذا اشترى المشتري متاعاً بكل عيب فيه بفضله وكرمه لا يجوز رده في شرعي في مذهب من المذاهب فيخسأ الشيطان حجلاً طريداً مخذولاً.
وفي "المثنوي" :
٥١٣
كاله كه هي خلقش ننكريد
از خلاقت آن كريم آنرا خريد
هي قلبي يش حق مردود نيست
زانكه قصدش ازخريدن سود نيست
(س حق سبحانه وتعالى مارا خريده وبعيوب ما دانا اميداست كه ازدركاه كرم رد نكند.
ودر نفخات الأنس مذكورست از ابو زجانى نقل ميكندكه) :
تو بعلم ازل مرا ديدى
ديدى آنكه بعيب بخريدى
تو بعلم آن ومن بعيب همان
رد مكن آنه خود سنديدى
﴿يُقَـاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ﴾ استئناف لبيان البيع الذي يستدعيه الاشتراء المذكور كأنه قيل : كيف يبيعون أنفسهم وأموالهم بالجنة فقيل يقاتلون في سبيل الله، يعني :(درراه خدا وطلب رضاى او) وهو بذل منهم لأنفسهم وأموالهم إلى جهة الله تعالى وتعريض لهما للهلاك.
وقال الحدادي : فيه بيان الغرض لأجل اشترائهم وهو أن يقاتلوا العدو في طاعة الله انتهى.
أقول : هل الأفعال الإلهية معللة بالأغراض أو لا ففيه اختلاف بين العلماء فأنكره الأشاعرة وأثبته أكثر الفقهاء لأن الفعل الخالي عن الغرض عبث والعبث من الحكيم محال وتمامه في التفاسير، عند قوله تعالى :﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذرايات : ٥٦) ﴿فَيَقْتُلُونَ﴾ (س كاهى مى كشند دشمانرا) فهم الغزاة فلهم الجنة.
﴿وَيَقْتُلُونَ﴾ (وكاهى كشته ميشوند دردست ايشان) فهم الشهداء فله الجنة.


الصفحة التالية
Icon