جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٤
وقال القشيري قدس سره ﴿الْعَـابِدُونَ﴾ الخاضعونبكل وجه الذين لا يسترقهم كرائم الدنيا ولا يستعبدهم عظائم العقبى فلا يكون العبد عبد الله على الحقيقة إلا بعد تجرده عن كل حادث ﴿الْحَـامِدُونَ﴾ أي المثنون عليه بآلائه الشاكرون له على نعمائه المادحون له بصفاته وأسمائه وعمم بعضهم الحمد فأوجبه على النعم الدينية والدنيوية وكذا على الشدائد والمصائب في الدنيا في أهل أو نفس أو مال لأنها نعم بالحقيقة بدليل أنها تعرض العبد لمثوبات جزيلة حتى ما يقاسيه الأطفال عند الموت من الكرب الشديد ترجع فائدته إلى الولي الصابر وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال :"الحمدعلى ما ساء وسرّ" كما في "منهاج العابدين".
ومما ينبغي أن يعلم أن التوفيق للتوحيد نعمة عظيمة من الله تعالى فليقل المؤمن دائماً الحمدعلى دين الإسلام وتوفيق الإيمان.
قال مجاهد في تفسير قوله تعالى :﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّـاكِرِينَ﴾ (الأنعام : ٥٣) يعني بالشاكرين على التوحيد فإذا عرفت هذا فلا يغرنك قول من قال إن نفس الدين وكذا الإسلام والإيمان ليس بنعمة فكيف يحمد عليه.
وقال القشيري ﴿الْحَـامِدُونَ﴾ هم الذين لا اعتراض لهم على ما يحصل بقدرته ولا انقباض لهم عما يجب من طاعته ﴿السَّائحُونَ﴾ عن ابن عباس رضي الله عنهما كل ما ذكر في القرآن من السياحة فهو الصيام وفي الحديث :"سياحة أمتي الصوم" قال الشاعر :
تراه يصلى ليله ونهاره
يظل كثير الذكرسائحاً
٥١٨
أي صائماً وشبه الصوم بالسياحة لأنه عائق عن الشهوات كالسائح لا يتوسع في استيفاء ما يميل إليه طبعه لأن الصوم رياضة نفسانية يتوسل بها إلى العثور على خفايا الملك والملكوت كما أن السائح يصل إلى ما لم يعرفه ولم يره.
وقال بعض العرفاء النكتة أن السياح يسيح في الأرض فأي بلد استطاب المقام فيه أقام وإذا لم يستطب خرج منه إلى بلد آخر فكذا الصائم إذا دخل الجنة يقال له ادخل من أي باب شئت وأي غرفة وقصر استطبتها فانزلها فيسيح في قصور الجنة ومنازلها أين ما شاء كالسياح في الأرض.
وقال الحسن :﴿السَّائحُونَ﴾ الذين صاموا عن الحلال وأمسكوا عن الحرام وههنا والله أقوام رأيناهم يصومون عن الحلال ولا يمسكون عن الحرام والله ساخط عليهم.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٤
وقال القشيري هم الصائمون عن شهود غير الله المكتفون من الله بالله.
وقال في "التأويلات النجمية" :﴿السَّائحُونَ﴾ السائرون إلى الله بترك ما شغلهم عنه.
وقال عطاء المراد الغزاة في سبيل الله يقطعون المنازل والمراحل إلى أن يصلوا إلى ديار الكفرة فيجاهدوهم.
وقال عكرمة : هم طلاب العلم ينتقلون من بلد إلى بلد.
ورحل جابر رضي الله عنه من المدينة إلى مصر لحديث واحد ولذا لا يعد أحد كاملاً إلا بعد رحلته ولا يصل إلى مقصوده إلا بعد هجرته وقالوا كل من لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الأتباع ويكشف عن قلبه القناع فهو في هذا الشأن سبط لا أب له دعيّ لا نسب له ﴿الراَّكِعُونَ السَّـاجِدُونَ﴾ في الصلاة وإنما كنى بالركوع والسجود عن الصلاة لكون جهة العبادة أظهر فيهما بالنسبة إلى باقي أركان الصلاة فإن هيئتي القيام والقعود قد يؤتى بهما على وفق العادة بخلاف الركوع والسجود فإنهما ليسا من الهيئات الطبيعية الموافقة للعادة فلا يؤتى بهما إلا على سبيل العبادة فكان لهما مزيد اختصاص بالصلاة.
وقال القشيري :﴿الراَّكِعُونَ﴾ الخاضعونفي جميع الأحوال بخمودهم تحت سلطان التجلي وفي الخبر :"إن الله إذا تجلى لشيء خضع له" و﴿السَّـاجِدُونَ﴾ بنفوسهم في الظاهر على بساط العبودية وبقلوبهم في الباطن عند شهود الربوبية.
وقال في "التأويلات النجمية" :﴿الراَّكِعُونَ﴾ الراجعون عن مقام القيام بوجودهم إلى القيام بموجودهم ﴿السَّـاجِدُونَ﴾ الساقطون عن هم على عتبة الوحدة بلادهم.
ون تجلى كرد اوصاف قديم
س بسوزد وصف حادث را كليم
﴿الامِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ أي : بالإيمان والطاعة ﴿وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾ أي : عن الشرك والمعاصي.
وقال الحدادي : المعروف هو السنة والمنكر هو البدعة.
قال ابن ملك : عند قوله عليه السلام :"وكل بدعة ضلالة" عني كل خصلة جديدة أتي بها ولم يفعلها النبي عليه السلام ضلالة لأن الضلالة ترك الطريق المستقيم والذهاب إلى غيره والطريق المستقيم الشريعة خص من هذا الحكم البدعة الحسنة كما قال عمر رضي الله عنه في التراويح نعمت البدعة.
قال العلماء البدع خمس واجبة كنظم الدلائل لرد شبه الملاحدة وغيرهم.
ومندوبة كتصنيف الكتب وبناء المدارس ونحوها.
ومباحة كالبسط في ألوان الأطعمة وغيرها.
ومكروهة.
وحرام وهما ظاهران انتهى.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٠٤