يقول الفقير : قد أشبعنا الكلام في إيمان أبوي النبي عليه السلام، وكذا إيمان عمه أبي طالب وجده عبد المطلب بعد الإحياء في سورة البقرة عند قوله تعالى :﴿وَلا تُسْـاَلُ عَنْ أَصْحَـابِ الْجَحِيمِ﴾ (البقرة : ١١٩) فارجع إليه.
وجاء أن عبد المطلب رفض في آخر عمره عبادة الأصنام ووحد الله وتؤثر عنه سنين جاء القرآن بأكثرها وجاءت السنة بها منها الوفاء بالنذر والمنع
٥٢٣
من نكاح المحارم وقطع يد السارق والنهي عن قتل الموءودة وتحريم الخمر والزنى وأن لا يطوف بالبيت عريان كذا في كلام سبط ابن الجوزي.
وقال في "أبكار الأفكار في مشكل الأخبار" : إن عبد المطلب قد كان يتعبد في كثير من أحواله بشريعة إبراهيم عليه السلام ويتمسك بسنن إسماعيل عليه السلام ولم ينكر نبوة محمد عليه السلام إذ لم يكن قد بعث في أيامه ولا يقطع بكفر من مات في زمن الفترة فلم يكن حكمه حكم الكفار المشركين الذي شهد النبي عليه السلام بأنهم فحم في جهنم انتهى.
قال في "السيرة الحلبية" : منع الاستغفار لأمه عليه السلام إنما يأتي على القول بأن من بدل دينه أو غيره أو عبد الأصنام من أهل الفترة معذب وهو قول ضعيف مبني على وجوب الإيمان والتوحيد بالعقل.
والذي عليه أكثر أهل السنة والجماعة أن لا يجب ذلك إلا بإرسال الرسل ومن المقرر أن العرب لم يرسل إليهم رسول بعد إسماعيل عليه السلام وأن إسماعيل انتهت رسالته بموته كبقية الرسل لأن ثبوت الرسالة بعد الموت من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلّم وأن أهل الفترة من العرب لا تعذيب عليهم وإن غيروا أو بدلوا أو عبدوا الأصنام والأحاديث الواردة بتعذيب من ذكر أو من بدل أو غير أو عبد الأصنام مؤولة أو خرجت مخرج الزجر للحمل على الإسلام.
ثم رأيت بعضهم رجح أن التكليف بوجوب الإيمان بالله تعالى وتوحيده أي بعد عبادة الأصنام يكفي فيه وجود رسول دعا إلى ذلك وإن لم يكن الرسول مرسلاً لذلك الشخص بأن لم يدرك زمنه حيث بلغه أنه دعا إلى ذلك أو أمكنه علم ذلك وأن التكليف بغير ذلك من الفروع لا بد فيه من أن يكون ذلك الرسول مرسلاً لذلك الشخص وقد بلغته دعوته وعلى هذا فمن لم يدرك زمن نبينا صلى الله عليه وسلّم ولا زمن من قبله من الرسل معذب على الإشراك بالله بعبادته الأصنام لأنه على فرض أن لا تبلغه دعوة أحد من الرسل السابقين إلى الإيمان بالله وتوحيده ولكنه كان متمكناً من علم ذلك فهو تعذيب بعد بعث الرسل لا قبله وحينئذٍ لا يشكل ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول :"ما بعث الله نبياً إلى قوم، ثم قبضه إلا جعل بعده فترة يملأ من تلك الفترة جهنم" ولعل المراد المبالغة في الكثرة وإلا فقد أخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه عن النبي عليه السلام أنه قال :"لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فيرتد بعضها إلى بعض وتقول قط قط" أي : حسبي بعزتك وكرمك وأما بالنسبة لغير الإيمان والتوحيد من الفروع فلا تعذيب على تلك الفروع لعدم بعثة رسول إليهم فأهل الفترة وإن كانوا مقرين بالله إلا أنهم أشركوا بعبادة الأصنام، فقد حكى الله عنهم :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ (الزمر : ٣) ووجه التفرقة بين الإيمان والتوحيد وغير ذلك أن الشرائع بالنسبة للإيمان بالله والتوحيد كالشريعة الواحدة لاتفاق جميع الشرائع عليه هذا وقد جاء أنهم أي أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة فقد أخرج البزاز عن ثوبان أن النبي عليه السلام قال :"إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم فيسألهم ربهم فيقولون ربنا لم ترسل إلينا رسولاً ولم يأتنا لك أمر ولو أرسلت إلينا رسولاً لكنا أطوع عبادك فيقول لهم ربهم أرأيتم إن أمرتكم بأمر أن تطيعوني فيقولون نعم فيأخذ
٥٢٤
على ذلك مواثيقهم فيرسل إليهم أن ادخلوا النار فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا ورجعوا فقالوا ربنا فرقنا منها ولا نستطيع أن ندخلها فيقول ادخلوها داخرين" فقال النبي عليه السلام :"لو دخلوها أول مرة كانت عليهم برداً وسلاماً" قال الحافظ ابن حجر : فالظن بآله صلى الله عليه وسلّم يعني : الذين ماتوا قبل البعثة أنهم يطيعون عند الامتحان إكراماً للنبي عليه السلام لتقر عينه ونرجو أن يدخل عبد المطلب الجنة في جماعة من يدخلها طائعاً إلا أبا طالب فإنه أدرك البعثة ولم يؤمن به بعد أن طلب منه الإيمان انتهى كلامه ولعله لم يذهب إلى مسألة الإحياء ولذا قال ما قال في حق أبي طالب :
نا اميدم مكن از سابقه لطف أزل
توه دانى كه س رده كه خوبست وكه زشت


الصفحة التالية
Icon