فلم ينفق سلعته بالحلف الكاذب مثل أن يقول للمشتري اشتريت هذا بمائة درهم والله ولم يشتره بها بل أقل منها وبالحلف الكاذب يمحق الله البركة من الثمن، وفي الحديث :"إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا اشتروا لم يذموا وإذا باعوا لم يمدحوا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا وإذا كان لهم لم يعسروا" فالصدق في كل الأحوال ممدوح وصاحبه محمود في الدنيا والآخرة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
دانى زه رو سرور و آن سر سبزست
يوسته را بوستان سر سبرست
ون مذهب اوست راستى درهمه وقت
بر طرف من هميشه زان سر سبزست
ثم المطل العارفين في الصدق في العبودية والقيام بحقوق الربوبية.
قال أحمد بن الحواري : قلت لأبي سليمان الداراني قدس سرهما إني قد غبطت بني إسرائيل قال بأي شيء قلت بثمانمائة سنة من العمر حتى يصيروا كالشنان البالية وكالحنايا وكالأوتار قال : ما ظننت إلا وقد جئت بشيء والله ما يريد منا أن تيبس جلودنا على عظامنا ولا يريد منا إلا صدق النية فيما عنده هذا إذا صدق في عشرة أيام نال ما ناله ذاك في عمره الطويل انتهى فرب عمر اتسعت آماده وقلت : أمداده كأعمار بني إسرائيل إذا كان الواحد منهم يعيش ألفاً ونحوها ولم يتحصل له شيء مما تحصل لهذه الأمة مع كثرة أعمارها ورب عمر قليلة آماده كثيرة أمداده كعمر من فتح عليه من هذه الأمة فوصل إلى عناية الله بلمحه، كما قال الإمام الغزالي قدس سره في "منهاج العابدين" : منهم من يقطع هذه العقبات في سبعين سنة ومنهم من يقطعها في عشرين سنة ومنهم من يقطعها في عشر سنين ومنهم من تحصل له في سنة ومنهم من يقطعها في شهر بل في جمعة بل في ساعة كسحرة موسى حكي أن رابعة البصرية كانت أمة كبيرة يطاف بها في سوق البصرة لا يرغب فيها أحد لكبر سنها فرحمها بعض التجار فاشتراها بنحو مائة درهم فأعتقها فاختارت هذا الطريق فأقبلت على العبادة فما تمت لها سنة حتى زارها علماء البصرة وقراؤها لعظم منزلتها.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّـادِقِينَ﴾ الذين صدقوا يوم الميثاق فيما أجابوا الله عند خطاب ألست بربكم قالوا بلى وصدقوا الله على ما عاهدوه عليه أن لا يعبدوا إلا الله ولا يشركوا به شيئاً من مقاصد الدنيا والآخرة ويتجردوا عن كل حادث حتى عن الجسم.
وفي "المثنوي" :
جوهر صدقت خفى شد درع دروغ
همو طعم روغن اندر طعم دوغ
آن دروغت اين تن فانى بود
راستت آن جان رباني بود
يقول الفقير أصلحه الله القدير : كتب إليّ حضرة الشيخ قدس سره في بعض مكاتيبه الشريفة وقال عليكم بالصدق مطلقاً نية وعملاً وهو يرجع إلى الإخلاص جداً بأن لا يكون للعبد أصلاً باعث في الحركات والسكنات إلا الله تعالى فإن مازجه شوب من حظوظ النفس بطل الصدق ويجوز أن يسمى كاذباً ودرجاته لا نهاية لها وقد يكون لعبد صدق في بعض الأمور دون بعض فإن كان صادقاً في الجميع فهو الصديق حقاً والصادق والمخلص بالكسر من باب واحد وهو التخلص من شوائب الصفات النفسانية مطلقاً والصديق والمخلص بالفتح من
٥٣١
واحد وهو التخلص أيضاً من شوائب الغيرية والثاني أوسع فلكاً وأكثر إحاطة فكل صديق ومخلص بالفتح صادق ومخلص بالكسر من غير عكس ثم ذيل كلاماً طويلاً يتضمن تأويل سورة الانشراح رزقنا الله ذوق كلامه وألحقنا به في مقامه.
ثم الصادقون المرشدون إلى طريق الوصول فإذا كان السالك في جملة أحبابهم ومن زمرة الخدام في عتبة بابهم فقد بلغ بمحبتهم وتربيتهم وقوة ولايتهم إلى مراتب في السير إلى الله وترك ما سواه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأظهر : إن لم تجر أفعالك على مراد غيرك لم يصح لك انتقال عن هواك ولو جاهدت نفسك عمرك فإذا وجدت من يحصل في نفسك حرمته فاخدمه وكن ميتاً بين يديه يصرفك كيف يشاء لا تدبير لك في نفسك معه تعش سعيداً مبادراً لامتثال ما يأمرك به وينهاك عنه فإن أمرك بالحرفة فاحترف عن أمره لا عن هواك وإن أمرك بالقعود قعدت عن أمره لا عن هواك فهو أعرف بمصالحك منك فاسع يا بنيّ في طلب شيخ يرشدك ويعصم خواطرك حتى تكمل ذاتك بالوجود الإلهي وحينئذٍ تدبر نفسك بالوجود الكشفي الاعتصامي كذا في "مواضع النجوم".
وفي "المثنوي" :
ون كزيدى ير نازك دل مباش
سست ورزيده و آب وكل مباشون كرفتى يرهن تسليم شو
همو موسى زير حكم خضررو
شيخ راكه يشوا ورهبرست
كرمديدى امتحان كرد او خرست نسأل الله تعالى أن يحفظنا من زيغ الاعتقاد ويثبتنا في طريق أهل الرشاد.
﴿مَا كَانَ لاهْلِ الْمَدِينَةِ﴾ أي : ما صح وما استقام لهم والمدينة علم بالغلبة لدار الهجرة كالنجم للثريا إذا أطلقت فهي المرادة وإن أريد غيرها قيد والنسبة إليها مدني ولغيرها من المدن مديني للفرق بينهما كما في "إنسان العيون".
قال الإمام النووي : لا يعرف في البلاد أكثر أسماء منها ومن مكة.