وفي كلام بعضهم : لها نحو مائة اسم منها دار الأخبار ودار الأبرار ودار السنة ودار السلامة ودار الفتح والبارة وطابة وطيبة لطيب العيش بها ولأن لعطر الطيب بها رائحة لا توجد في غيرها وترابها شفاء من الجذام ومن البرص بل ومن كل داء وعجوتها شفاء من السم وقد خص الله تعالى مكة والمدينة بأنهما لا يخلوان من أهل العلم والفضل والدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين وهي أي المدينة تخرب قبل يوم القيامة بأربعين عاماً ويموت أهلها من الجوع.
﴿وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الاعْرَابِ﴾ (باديه نشينان) كمزينة وجهينة وأشجع وغفار وأضرابهم.
قال الكاشفي :(وتخصيص أهالي مدينة وحوالي بجهت قرب بوده ومعرفت ايشان بخروج آن حضرت عليه السلام بطرف تبوك).
﴿أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ﴾ عند توجهه إلى الغزو وإذا استنفرهم واستنهضهم كما في "حواشي ابن الشيخ" وهذا نهي ورد بلفظ النفي للتأكيد ﴿وَلا﴾ أن ﴿يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ﴾ الباء للتعدية فقولك رغبت عنه معناه أعرضت عنه فعدي بالباء فإذا قلت رغبت بنفسي عنه كأنك قلت جعلت نفسي راغبة عنه.
فالمعنى اللغوي في الآية ولا يجعلوا أنفسهم راغبة ومعرضة عن نفسه عليه السلام وحاصل المعنى لا يصرفوا أنفسهم عن نفسه الكريمة أي عما ألقى فيه نفسه من شدائد الغزو
٥٣٢
وأهوالها ولا يصونوها عما لا يصون عنه نفسه بل يكابدوا معه ما يكابده فإنه لا ينبغي أن يختاروا لأنفسهم الخفض والدعة ورغد العيش ورسول الله في الحر والمشقة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
قال الحدادي : لا ينبغي أن يكونوا بأنفسهم آثر وأشفق عن نفس محمد صلى الله عليه وسلّم بل عليهم أن يجعلوا أنفسهم وقاية للنبي عليه السلام لما وجب له من الحقوق عليهم بدعائه لهم إلى الإيمان حتى اهتدوا به ونجو من النار.
﴿ذَالِكَ﴾ أي : وجوب المتابعة فإن النهي عن التخلف أمر بضده الذي هو الأمر بالمتابعة والمشايعة.
﴿بِأَنَّهُمْ﴾ أي : بسبب أنهم إذا كانوا معه عليه السلام ﴿لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ﴾ أي : عطش يسير ﴿وَلا نَصَبٌ﴾ ولا تعب ما في أبدانهم ﴿وَلا مَخْمَصَةٌ﴾ أي : مجاعة ما ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ وإعلاء كلمته ﴿وَلا يَطَـاُونَ﴾ ولا يدوسون بأرجلهم وحوافر خيولهم وأخفاف رواحلهم ﴿مَوْطِئًا﴾ دوساً فهو مصدر كالموعد أو مكاناً على أن يكون مفعولاً ﴿يَغِيظُ الْكُفَّارَ﴾ (بخشم آرد كافرانرا) أي لا يبلغون موضعاً من أراضي الكفار من سهل أو جبل يغيظ قلوبهم مجاوزة ذلك الموضع فإن الإنسان يغيظه أن يطأ أرضه غيره والغيظ انقباض الطبع برؤية ما يسوءه والغضب قوة طلب الانتقام.
﴿وَلا يَنَالُونَ﴾ (ونيابند) فإن النيل بالفارسية (يافتن) ﴿مِنْ عَدُوٍّ﴾ من قبلهم ﴿نَّيْلا﴾ بمعنى الميل على أن يكون مفعولاً به، أي أي آفة محنة كالقتل والأسر والهزيمة والخوف ﴿إِلا كُتِبَ لَهُم بِهِ﴾ أي : بكل واحد من الأمور المعدودة.
قوله إلا كتب في محل النصب على أنه حال من ظمأ وما عطف عليه أي لا يصيبهم ظمأ ولا كذا وكذا في حال من الأحوال إلا في حال كونه مكتوباً لهم بذلك.
﴿عَمَلٌ صَـالِحٌ﴾ وحسنة مقبولة، أي : استوجبوا به الثواب الجزيل.
وقال الكاشفي : يعني (بهريك ازينها كه بديها رسد مستحق ثواب شوند ابن عباس كويد بهر ترسى كه از دشمن بدل ايشان رسد هفتاد درجه مى نويسند) هذا ما يدل عليه عامة التفاسير.
وقال ابن الشيخ في "حواشيه" : يقال نال منه إذا أزراه ونقصه وصرح بنيل شيء مما يتأذى الكفار من نيله وهذا المعنى غير المعنى الأول كما لا يخفى ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ على إحسانهم وهو تعليل لكتب وتنبيه على أن الجهاد إحسان أما في حق الكفار فلأنه سعى في تكميلهم بأقصى ما يمكن كضرب المداوي للمجنون.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
سفيها نرا بود تأديب نافع
جنونرا شربت وبست دافع
وأما في حق المؤمنين فلأنه صيانة لهم من سطوة الكفار واستيلائهم.
﴿وَلا يُنفِقُونَ﴾ في الجهاد ﴿نَفَقَةً صَغِيرَةً﴾ (نفقه اندك) ولو تمرة أو علافة سوط أو نعل فرس ﴿وَلا كَبِيرَةً﴾ (ونه نفقه بزرك) مثل ما أنفق عثمان وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما في جيش العسرة وقد سبق عند قوله تعالى :﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ﴾ (التوبة : ٧٩) الآية في هذه السورة ﴿وَلا يَقْطَعُونَ﴾ أي : لا يتجازون في مسيرهم إلى أرض الكفار مقبلين ومدبرين ﴿وَادِيًا﴾ من الأودية وهو في الأصل كل منفرج من الجبال والآكام ينفذ فيه السيل اسم فاعل من ودي يدي إذا سال ثم شاع في الأرض على الإطلاق.
﴿إِلا كُتِبَ لَهُم﴾ أي : أثبت لهم في صحائفهم ذلك الذي فعلوه من الإنفاق والقطع ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ﴾ بذلك متعلق بكتب.
﴿أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾
٥٣٣


الصفحة التالية
Icon