مفعول ثاننٍ ليجزيهم وما مصدرية أي ليجزيهم جزاء أحسن أعمالهم بحذف المضاف فإن نفس العمل لا يكون جزاء (درينا بيع فرموده كه اكر مثلا غازى را هزار طاعت باشدويكى ازهمه نيكوتر بود حق سبحانه وتعالى آنرا ثوابي عظيم دهد ونهصد ونودونه ديكررا بطفيل آن قبول كند وهريك را برابر آن ثوابى ازرانى دارد تاكرم او بنسبت مجاهدان برهمه كس ظاهر كردد) ففي الجهاد فضائل لا توجد في غيره وهو حرفة النبي عليه السلام.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال مرّ رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم بشعب فيه عيينة من ماء عذب فأعجبته فقال لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب ولن أفعل حتى استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فذكر ذلك لرسول الله فقال :"لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته سبعين عاماً ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقةٍ وجبت له الجنة" قوله فواق ناقة وهو ما بين رفع يدك عن ضرعها وقت الحلبة ووضعها وقيل هو ما بين الحلبتين.
وفي الحديث دلالة على أن الجهاد والتصدي له أفضل من العزلة للعبادة.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
وقال في "فتح القريب" : يا هذا ليت شعري من يقوم مقام هذا الصحابي في عزلته وعبادته وطيب مطعمه ومع هذا قال النبي عليه السلام :"لا تفعل" وأرشده إلى الجهاد فكيف لواحد منا أن يتركه مع أعمال لا يوثق بها مع قلتها وخطايا لا ينجى معها لكثرتها وجوارح لا تزال مطلقة فيما منعت منه ونفوس جامحة إلا عما نهيت عنه ونيات لا يتحقق إخلاصها وتبعات لا يرجى بغير العناية خلاصها.
قال الحافظ :
كارى كنيم ورنه حجالت بر آورد
روزيكه رخت جان بجهان دكر كشيم
واعلم أن المتخلف بعذر إذا كانت نيته خالصة يشارك المجاهد في الأجر والثواب كما روي أنه عليه السلام لما رجع من غزوة تبوك قال :"إن أقواماً خلفناهم بالمدينة ما سلكنا شعباً ولا وادياً إلا وهم معنا حبسهم العذر" يعني يشاركوننا في استحقاق الثواب لكونهم معنا نية وإنما تخلفوا عنا للعذر ولولاه لكانوا معنا ذواتاً.
قال ابن الملك : ولا يظن منه التساوي في الثواب لأن الله قال :﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَـاهِدِينَ عَلَى الْقَـاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ (النساء : ٩٥) انتهى.
يقول الفقير أصلحه الله القدير هذه الآية مطلقة ساكتة عن بيان العذر وعدمه وقد قيدها الحديث المذكور ولا بعد في أن يشترك المجاهد والمتخلف لعذر في الثواب بل تأثير الهمة أشد ورب نية خير من عمل ولهذا شواهد لا تخفى على أولي الألباب.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
والإشارة ﴿مَا كَانَ لاهْلِ الْمَدِينَةِ﴾ مدينة القلب وأهلها النفس والهوى ﴿وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الاعْرَابِ﴾ أعراب الصفات النفسانية والقلبية ﴿أَن يَتَخَلَّفُوا عَن رَّسُولِ اللَّهِ﴾ عن رسول الروح إذ هو راجع إلى الله وسائر إليه ﴿وَلا يَرْغَبُوا بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ﴾ أي : عن بذل وجودهم عند بذل وجوده بالفناء في الله
٥٣٤
﴿ذَالِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ﴾ من ماء الشهوات ﴿وَلا نَصَبٌ﴾ من أنواع المجاهدات ﴿وَلا مَخْمَصَةٌ﴾ بتر اللذات وحطام الدنيا ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ في طلب الله ﴿وَلا يَطَـاُونَ مَوْطِئًا﴾ مقاماً من مقامات الفناء.
﴿يَغِيظُ الْكُفَّارَ﴾ كفار النفس والهوى ﴿وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ﴾ عدو الشيطان والدنيا والنفس.
﴿نَّيْلا﴾ أي : بلاء ومحنة وفقراً وفاقة وجهداً وهماً وحزناً وغير ذلك من أسباب الفناء.
﴿إِلا كُتِبَ لَهُم بِه عَمَلٌ صَـالِحٌ﴾ من البقاء بالله بقدر الفناء في الله ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الفانين في الله فيبقيهم بالله ليعبدوه على المشاهدة لأن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه.
﴿وَلا يُنفِقُونَ نَفَقَةً﴾ من بذل الوجود ﴿صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً﴾ الصغيرة بذل وجود الصفات والكبيرة بذل وجود الذات في صفات الله تعالى وذاته ﴿وَلا يَقْطَعُونَ وَادِيًا﴾ من أودية الدنيا والآخرة والنفس والهوى والقلب والروح.
﴿إِلا كُتِبَ لَهُم﴾ بقطع كل واحد من هذه الأودية قربة ومنزلة ودرجة كما قال :"من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً" ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ﴾ بالبقاء والفناء عن أنفسهم ﴿أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أي : أحسن مقام كانوا يعملون العبودية في طلبه لأن طلبهم على قدر معرفتهم ومطمح نظرهم وجزاؤه يضيق عنه نطاق عقولهم وفهومهم كما قال :"أعدت لعبادي الصالحين" الحديث كما في "التأويلات النجمية".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١


الصفحة التالية
Icon