قال في "عين المعاني" المراد بقوله :﴿لِّيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ﴾ علم الآخرة لاختصاصه بالإنذار والحذر به وعلم الآخرة يشمل علم المعاملة وعلم المكاشفة أما علم المعاملة فهو العلم المقرب إليه تعالى والمبعد عنه ويدخل فيه أعمال الجوارح وأعمال القلوب وأما علم المكاشفة فهو المراد فيما ورد "فضل العالم على العابد كفضلي على أمتي" إذ غيره تبع للعمل لثبوته شرطاً له فإذا فرغ علماً وعملاً ساغ أن يشرع في فروض الكفاية كالتفسير والأخبار والفتاوى غير متجاوز إلى نوادر المسائل ولا مستغرق مشتغل عن المقصود وهو العمل ويجوز أن يتعلم من علم النجوم قدر ما يعرف به القبلة وأوقات الصلاة ويتعلم من علم الطب قدر ما يمكن بمعرفته تداوي الأمراض.
قال في "الأشباه" : تعلم العلم يكون فرض عين وهو بقدر ما يحتاج إليه لدينه وفرض كفاية وهو ما زاد عليه لنفع غيره ومندوباً وهو التبحر في الفقه وعلم القلب وحراماً وهو علم الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلوم الطبائعيين والسحر ودخل في الفلسفة المنطق ومن هذا القسم علم الحروف والموسيقا ومكروهاً وهو أشعار المولدين من الغزل والبطالة ومباحاً كأشعارهم التي لا سخف فيها.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
قال علي الخناوي : لم أرَ في
٥٣٦
كتب أصحابنا القول بتحريم المنطق ولا يبعد أن يكون وجهه أن يضيع العمر وأيضاً أن من اشتغل به يميل إلى الفلسفة غالباً فكان المنع منه من قبيل سد الذرائع وإلا فليس في المنطق ما ينافي الشرع انتهى.
قال القهستاني : ذكر في "المهمات" للأسنوي لايستنجى بما كتب عليه علم محترم كالنحو واحترز بالمحترم عن غيره من الحكميات مثل المنطق انتهى.
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر في مواقع النجوم ولا يكثر مما لا يحتاج إليه فإن التكثير مما لا حاجة فيه سبب في تضييع الوقت على ما هو أهم وذلك أن من لم يعول على أن يلقي نفسه في درجة الفتيا في الدنيا لأن في البلد من ينوب عنه في ذلك لا يتعين عليه طلب الأحكام كلها إذ هو في حق الغير طلب فضول العلم انتهى.
فعلى العاقل أن يتعلم قدر الحاجة ويشتغل بالعمل وفي الحديث :"من أحب أن ينظر إلى عتقاء الله من النار فلينظر إلى المتعلمين فوالذي نفسي بيده ما من متعلم يختلف إلى باب العالم إلا كتب الله له بكل قدم عبادة سنة وبنى له بكل قدم مدينة في الجنة ويمشي على الأرض والأرض تستغفر له ويمشي ويصبح مغفوراً له وشهدت له الملائكة بأنه من عتقاء الله من النار" وفي نشر العلم والإرشاد به فضائل أيضاً قال عليه السلام لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن "لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك مما تطلع عليه الشمس" والعلماء ورثة الأنبياء فكما أنهم اشتغلوا بالإبلاغ والإرشاد كذلك ورثتهم فكل مرشد من الورثة ينبغي أن يكون غرضه إقامة جاه رسول الله صلى الله عليه وسلّم وتعظيمه بتكثير أتباعه وقد قال :"إني مكاثر بكم الأمم" قال في "العوارف الصوفية" أخذوا حظاً من علم الدراسة فأفادهم علم الدراسة العمل بالعلم فلما عملوا بما علموا أفادهم العلم علم الوراثة فهم مع سائر العلماء في علومهم وتميزوا عنهم بعلوم زائدة هي علوم الوراثة وعلم الوراثة هو الفقه في الدين، قال الله تعالى :﴿فَلَوْلا نَفَرَ﴾ الآية فصار الإنذار مستفاداً من الفقه والإنذار إحياء المنذر بماء العلم والإحياء رتبة الفقيه في الدين فصار الفقه في الدين من أكمل الرتب وأعلاها وهو علم العالم الزاهد في الدنيا المتقي الذي يبلغ رتبة الإنذار بعلمه فمورد الهدى والعلم رسول الله صلى الله عليه وسلّم أولاً ورد عليه الهدى والعلم من الله تعالى فارتوى بذلك ظاهراً وباطناً وانتقل من قلبه إلى القلوب ومن نفسه إلى النفوس ولا يدرك المرء هذا العلم بالتمني بل بالجد والطلب ألا ترى إلى الجنيد قيل له بم نلت ما نلت فقال بجلوسي تحت تلك الدرجة ثلاثين سنة وأشار إلى درجة في داره :
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
هر كنج سعادت كه خداداد بحافظ
ازيمن دعاى شب وورد سحرى بود
وفي الآية تحريض للمؤمنين على الخروج من الأوطان لطلب العلم النافع ورحل جابر من المدينة إلى مصر لحديث واحد ولذا لم يعد أحد كاملاً إلا بعد رحلته ولا وصل مقصده إلا بعد هجرته وقيل :
سافر تجد عوضاً عمن تفارقه
وانصب فإن اكتساب المجد في النصب
فالأسد لولا فراق الخيس ما فرست
والسهم لولا فراق القوس لم يصب قال سعدى قدس سره :
جفا نبرده ه دانى توقدر يار
تحصيل كام دل بتكاوى خوشترست
قال في "التأويلات النجمية" : الإشارة في الآية إن الله تعالى يندب خواص عباده إلى رحلة
٥٣٧


الصفحة التالية
Icon