الصورة والمعنى فأما رحلة الصورة ففي طلب أهل الكمال الكاملين المتكملين الواصلين الموصلين كما ندب موسى الرحلة في طلب الخضر عليهما السلام وأما رحلة المعنى فكما كان حال إبراهيم عليه السلام قال : إني ذاهب إلى ربي فهو السير من القالب وصفاته إلى القلب وصفاته ومن القلب إلى الروح وصفاته ومن الروح إلى التخلق بأخلاق الله بقدم فناء أوصافه وهو السير إلى الله ومن أخلاق الله إلى ذات الله بقدم فناء ذاته بتجلى صفات الله وهو السير بالله ومن أنانيته إلى هويته ومن هويته إلى ألوهيته إلى أبد الآباد وهو السير بالله من الله إلى الله تعالى وتقدس انتهى باختصار.
يا اأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا} أقروا بالله وبوحدانيته وصدقوا بحضرة صاحب الرسالة وحقانيته ﴿قَـاتِلُوا الَّذِينَ﴾ (كارزار كنيد آنانكه) ﴿يَلُونَكُم﴾ الولي القرب والدنو ﴿مِّنَ الْكُفَّارِ﴾ أي : قاتلوا من نحوكم وبقربكم من العدو وجاهدوا الأقرب فالأقرب ولا تدعوا الأقرب وتقصدوا الأبعد فيقصد الأقرب بلادكم وأهاليكم وأولادكم وفيه إنهم إذا آمنوا الأقرب كان لهم محاربة الأبعد.
واعلم أن القتال واجب مع كافة الكفرة قريبهم وبعيدهم ولكن الأقرب فالأقرب أوجب ولذا حارب عليه السلام قومه أولاً ثم انتقل إلى غزو سائر العرب ثم انتقل عنهم إلى غزو الشام وكذا الصحابة رضي الله عنهم لما فرغوا من أمر الشام دخلوا العراق وهكذا المفروض على أهل كل ناحية أن يقاتلوا من وليهم ما لم يضربهم أهل ناحية أخرى وقد وقع أمر الدعوة أيضاً على هذا الترتيب فإنه عليه السلام أمر أولاً بإنذار عشيرته فإن الأقرب أحق بالشفقة والاستصلاح لتأكد حقه.
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
واختلفوا في أفضل الأعمال بعد الفرائض.
فقال الشافعي رضي الله عنه الصلاة أفضل أعمال البدن وتطوعها أفضل التطوع.
وقال أحمد لا أعلم شيئاً بعد الفرائض أفضل من الجهاد لأنه كان حرفة النبي عليه السلام.
وقال أبو حنيفة ومالك لا شيء بعد فروض الأعيان من أعمال البر أفضل من العلم لأن الأعمال تبتنى عليه ثم الجهاد وبلغ من علم أبي حنيفة رحمه الله إلى أن سمع في المنام أنا عند علم أبي حنيفة بعد ما قيل : أين أطلبك يا رسول الله، وفي الحديث :"أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم وأهل الجهاد" أما أهل العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل وأما أهل الجهاد فجاهدوا بأسيافهم على ما جاءت به الرسل والجهاد سبب البقاء إذ لو تركه الناس لغلبهم العدو وقتلهم وفيه الحياة الدائمة في الآخرة لأنه سبب الشهادة التي تورث تلك الحياة والشهداء أحياء غير أموات.
وفي "المثنوي" :
س زيادتها درون تقصهاست
مر شهيد انرا حيات اندر فناست ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ أي : شدة وصبراً على القتال.
قال في "القاموس" : الغلظة مثلثة ضد الرقة وهذا الكلام من باب لا أرينك ههنا فإنه وإن كان على صورة أن ينهى المتكلم نفسه عن رؤية المخاطب ههنا إلا أن المراد نهي المخاطب عن أن يحضر ههنا فكذا الآية فإنها على صورة أمر الكفار بأن يجدوا من المؤمنين غلظة لكن المعنى على أمر المؤمنين بأن يعاملوا الكفار بالغلظة والخشونة على طريق الكناية حيث ذكر اللازم وأريد الملزوم.
وفي "المثنوي" :
هر يمبر سخت روبد درجهان
يكسواره كفت بر جيش شهانرو نكردانيد ازترس وغمى
يك تن تنها بزد بر عالمي
٥٣٨
كوسنفدان كربر وننداز حساب
زانبهشان كى بترسد آن قصاب
قيل : للإسكندر في عسكر دارا ألف ألف مقاتل فقال إن القصاب لا تهوله كثرة الأغنام والعرب تقول الشجاعة وقاية والجبن مقتلة فاعتبروا بأن من يقتل مدبراً أكثر ممن يقتل مقبلاً.
قال السعدي قدس سره :
آنكه نك آرد بخون خويش بازى ميكند
روزميدان وانكه بكر يزد بخون لشكرى
ونعم ما قيل :
زهره مردان ندارى ون زنان درخانه باش
وربميدان ميروى ازتير باران بر مكرد