وقرىء من أنفَسكم بفتح الفاء أي من أشرفكم وأفضلكم من النفاسة وبالفارسية (عزيز شدن) وشيء نفيس أي خطير وذلك لأن محمداً صلى الله عليه وسلّم ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب وفي كلاب يجتمع نسب أبيه وأمه لأن أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب وبنو هاشم أفضل القبائل إلى إسماعيل عليه السلام من جهة الخصال الحميدة وكلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر وأجمع النسابون على أن قريشاً إنما تفرقت عن فهر فهو جماع قريش وإنما سمي فهر قريشاً لأنه كان يقرش أي يفتش عن حاجة المحتاج فيسدها بماله وكان بنوه يقرشون أهل الموسم عن حوائجهم فيرفدونهم فسموا بذلك قريشاً والرفادة طعام الحاج أيام الموسم حتى يتفرقوا فإن قريشاً كانت على زمن قصي تخرج من أموالها في كل موسم شيئاً فتدفعه إلى قصي فيصنع به طعاماً للحاج يأكل منه من لم يكن له سعة ولا زاد حتى قام بها ولده عبد مناف ثم بعد عبد مناف ولده هاشم ثم بعد هاشم ولده عبد المطلب ثم ولده أبو طالب وقيل : ولده العباس ثم استمر ذلك إلى زمنه صلى الله عليه وسلّم وزمن الخلفاء بعده ثم استمر ذلك في الخلفاء إلى أن انقرضت الخلافة من بغداد ثم من مصر وعن أنس بن مالك رضي الله عنه :"حب قريش إيمان وبغضهم كفر" وفي الحديث :"عالم قريش يملأ طباق الأرض علماً" وعن الإمام أحمد رحمه الله هذا العالم هو الشافعي لأنه لم ينتشر في طباق الأرض من علم علماء قريش من الصحابة وغيرهم ما انتشر من علم الإمام الشافعي ويجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلّم في عبد مناف وهو الجد التاسع للشافعي رحمه الله وفي الحديث :"أنا أنفسكم نسباً وصهراً وحسباً ليس في آبائي من لدن آدم سفاح كلها نكاح" وذلك لأنه لا يجيء من الزنى ولي فكيف نبي.
والإشارة فيه إلى نفاسة جوهره في أصل الخلقة لأنه أول جوهر خلقه الله تعالى وعن أبي هريرة أنه عليه السلام سأل جبريل عليه السلام فقال :"يا جبريل كم عمرك من السنين" فقال يا رسول الله لست أعلم غير أن في الحجاب الرابع نجماً يطلع في كل سبعين ألف سنة مرة رأيته اثنين وسبعين ألف مرة فقال عليه السلام :"يا جبريل وعزة ربي أنا ذلك الكوكب" ولما خلق الله آدم جعل نور حبيبه في ظهره فكان يلمع في جبينه ثم انتقل إلى ولده شيث الذي هو وصيه والثالث من ولده وكانت حواء تلد ذكراً وأنثى معاً ولم تلد ولداً منفرداً إلا شيث كرامة لهذا النور ثم انتقل إلى واحد بعد واحد من أولاده إلى أن وصل إلى عبد المطلب ثم إلى ابنه عبد الله ثم إلى آمنة وكان عليه السلام علة غائية لوجود كل كون فوجوده الشريف وعنصره اللطيف أفضل الموجودات الكونية وروحه المطهر أمثل الأرواح القدسية وقبيلته أفضل القبائل ولسانه خير الألسنة وكتابه خير الكتب الإلهية وآله وأصحابه خير الآل وخير الأصحاب وزمان ولادته خير الأزمان وروضته المنورة أعلى الأماكن مطلقاً والماء الذي نبع من أصابعه الشريفة أفضل المياه مطلقاً
٥٤٣
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
ثم بعده الأفضل ماء زمزم لأنه غسل منه صدره عليه السلام ليلة المعراج ولو كان ماء أفضل منه يغسل به صدره عليه السلام.
ثم إن في قوله :﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ﴾ إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلّم هدية عظيمة من الله تعالى وتحفة جسيمة ولا يعرض عن هدية الله تعالى إلا الكافرون والمنافقون.
قال حضرة الشيخ العطار قدس سره :
خويشتن راخواجه عرصات كفت
إنما أنا رحمة مهداة كفت
﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ العزيز الغالب الشديد وكلمة ما مصدرية والعنت الوقوع في أمر شاق وأشق الأمور دخول النار والجملة من الخبر المقدم والمبتدأ المؤخر صفة رسول.
والمعنى شاق شديد عليه عنتكم أي ما يلحقكم من المشقة والألم بترك الإيمان فهو يخاف عليكم سوء العاقبة والوقوع في العذاب وهذا من نتائج ما سلف من المجانسة.
قال الكاشفي :(وبعضي بر لفظ عزيز وقف كرده اند وآنرا صفة رسول دانند ومعنى عليه ما عنتم برين فرود آرندكه براوست آنه بكنيد ازكناه يعني اعتذار آن برويست در روز قيامت بشفاعت تدارك آن خواهد نمود ودرين معنى كفته اند) :
نماند بعصيان كسى دركرو
كه دارد نين سيدي يش رو
اكر دفترت ازكنه اك نيست
واو عذر خواهت بودباك نيست
﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُم﴾ أي : على إيمانكم وصلاح أحوالكم إذ من البين أنه عليه السلام ليس حريصاً على ذواتهم والحرص شدة الطلب للشيء مع اجتهاد فيه كما في "تفسير الحدادي".
﴿بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ متعلق بقوله ﴿رَءُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ قدم الأبلغ منهما وهو الرؤوف لأن الرأفة شدة الرحمة مع أن مقام المدح يقتضي الترقي من الفاضل إلى الأفضل محافظة على الفواصل وقدم بالمؤمنين على متعلقه وهو رؤوف ليفيد الاختصاص أي لا رأفة ولا رحمة إلا بالمؤمنين وأما الكفار فليس له عليهم رأفة ولا رحمة.


الصفحة التالية
Icon