يقول الفقير أصلحه الله القدير هذه الكلمة الطيبة في حكم لا إله إلا الله لأن الضمير عائد إلى المذكور من لفظ الجلالة وكون هو ضميراً لا ينافي كونه اسماً لأن المضمرات من قبيل الأسماء فما اشتهر بين الصوفية السالكين من الذكر به بناء على كونه اسماً ولما كان وجود الكون موهوماً ووجود الحق محققاً معلوماً صح أن يشار به إلى الله تعالى سيما أطلق لعدم المزاحم في الحقيقة والذكر به مناسب للمبتدىء لكونه في حال الغيبة فإذا ترقى الترقي الكلي فلا يشار به أي بهو إلا إلى الهوية المطلقة نسأل الله التوفيق للوصول إلى مراتب التحقيق ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ أي : وثقت فلا أرجو ولا أخاف إلا منه والتوكل اعتماد القلب على الله وسكونه وعدم اضطرابه لتعلقه بالله تعالى ﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ (روردكار عرش بزرك مراد ملك عظيم است يا عرش كه قبله دعا ومطاف ملائكه باشداشارت بكمال درت وحفظ حق تعالى راست : يعني آن خدايى كه عرش رابدان همه عظمت كه هشت هزار ركن دارد وبروايتي سيصد هزار قاعده واز قاعدة تاقاعده سيصد هزار سال راه وهمه آن مملو ازخافات وصافات بقدرت كامله نكاه ميدار دقادرست كه مرانيزاز شر منافقان درناه آردكه حافظ بندكان وناصر سرافكند كان اوست) :
ازوخواه يا رى كه يا رى داه اوست
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١
بدو التجاكن كه اينها ازوست
كسى راكه أو آورد در ناه
ه غم دارد از فتنه كينه خواه
قال الحدادي : رب العرب العظيم أي خالق السرير العظيم الذي هو أعظم من السموات والأرض وإنما خص العرش بذلك لأنه إذا كان رب العرش العظيم مع عظمته كان رب ما دونه في العظم.
وقيل : إنما خص العرش تشريفاً للعرض وتعظيماً لشأنه.
واعلم أن العناصر والأفلاك مرتبة فالأرض ثم الماء ثم الهواء ثم النار ثم فلك القمر ثم فلك عطارة ثم فلك الزهرة ثم فلك الشمس ثم فلك المريخ ثم فلك المشتري ثم فلك زحل ثم فلك الثوابت ثم فلك الأفلاك ويسمى الفلك الأعظم وهو محيط بجميع الأجسام من الفلكيات والعناصر ليس وراءه شيء لا خلاء ولا ملاء وكل محيط من الأفلاك والعناصر يماس المحاط الذي يليه في الترتيب المذكور لاستحالة الخلاء وجملة هذه الأجرام من الأفلاك والعناصر وما فيها يطلق عليها اسم العالم.
قال بعض أهل التحقيق : خلق الله العرش لإظهار شرف محمد صلى الله عليه وسلّم وهو قوله :﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ (الإسراء : ٧٩) وهو مقام تحت العرش ولأن العرش معدن كتاب الأبرار لقوله تعالى :﴿إِنَّ كِتَـابَ الابْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ﴾ (المطففين : ١٨) وأيضاً العرش مرآة الملائكة يرون الآدميين وأحوالهم منه كي يشهدوا عليهم يوم القيامة فإن عالم المثال والتمثال في العرش كالأطلس في الكرسي.
قال حضرة شيخنا قدس سره في الرسالة العرفانية التي صنفها في سنة تسع وثمانين بعد الألف العرش العظيم هو الإنسان الكبير والعرش الكريم هو الإنسان الصغير فظاهر العرش العظيم والإنسان الكبير على التبدل والتغير وباطنهما على الدوام والثبات وباطن العرش الكريم والإنسان الصغير على التبدل والتغير وظاهرهما على الدوام والثبات انتهى إجمالاً.
يقول الفقير المباهي بالانتساب إلى ذلك السيد الخطير لعل مراده رضي الله عنه أن باطن
٥٤٦
العرش العظيم هو العرش المحيط الذي يقال له الملكوت وظاهره ما تحته من الأجرام ويقال له عالم الكون والفساد فظاهر العرش لكونه عالم الكون والفساد على التبدل والتغير وباطنه وهو العرش نفسه على حاله بخلاف العرش الكريم الذي هو الإنسان فإن ظاهره من أول عمره إلى آخره على الثبات وباطنه على التغير لأن قلبه لا يخلو عن الأفكار والتقلبات والله تعالى رب العرش العظيم ورب العرش الكريم في الظاهر والباطن والأول والآخر هذا وقد ذكر في فضائل هاتين الآيتين اللتين إحداهما ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ﴾ الآية والأخرى ﴿فَإِن تَوَلَّوْا﴾ الآية.
روي أن أبا بكر بن مجاهد المقرى رحمه الله أتى إليه أبو بكر الشبلي قدس سره فدخل عليه في مسجده فقام إليه فتحدث أصحاب ابن مجاهد بحديثهما وقالوا أنت لم تقم لعلي بن عيسى الوزير وتقوم للشبلي فقال ألا أقوم لمن يعظمه رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في النوم فقال لي يا أبا بكر إذا كان في غد فسيدخل عليك رجل من أهل الجنة فإذا دخل فأكرمه قال ابن مجاهد فلما كان بعد ذلك بليلتين رأيت النبي عليه السلام فقال لي يا أبا بكر أكرمك الله كما أكرمت رجلاً من أهل الجنة قلت يا رسول الله بم استحق الشبلي هذا منك فقال هذا رجل يصلي خمس صلوات يذكرني أثر كل صلاة ويقرأ ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ إلى آخر السورة وذلك منذ ثمانين سنة أفلا أكرم من فعل هذا كذا في "عقد الدرر واللآلى".
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٢١