تفسير سورة يونس
مكية وهي مائة وتسع آيات بينات
جزء : ٣ رقم الصفحة : ٥٤٨
﴿وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ (الأنعام : ٥٩) فوقع هذا الجواب عندهم في حيز القبول.
علم دريست نيك باقيمت
جهل درديست سخت بى درمان
وفي التأويلات : هذه الآيات المنزلة عليك آيات الكتاب الحكيم الذي وعدتك في الأزل وأورثته لك ولأمتك وقلت ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ (فاطر : ٣٢)فاختص هذا الكتاب بأن يكون حكيماً من سائر الكتب، أي : حاكماً يحكم على الكتب كلها بتبديل الشرائع والنسخ ولا يحكم عليه كتاب أبداً واختص هذه الأمة بالاصطفاء من سائر الأمم وأورثهم هذا الكتاب ومعنى الوراثة أنه يكون باقياً في هذه الأمة يرثه بعضهم من بعض ولا ينسخه كتاب كما نسخ هو جميع الكتب
﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ﴾ (الزخرف : ٣١) : قال الحافظ قدس سره :
تاج شاهى طلبى كوهر ذاتى بنماى
در خود از كوهر جمشيد فريدون باى
وقال السعدي قدس سره :
هنر بايد وفضل ودين
كه كاه آيدوكه رودجاه ومال
قال في "التأويلات النجمية" : يشير إلى أنهم يتعجبون من إيحائنا إلى محمد عليه السلام لأنه كان رجلاً منهم، وفيه رأينا رجوليته قبل الوحي وتبليغ الرسالة من بينهم ولهذا السر ما أوحى إلى امرأة بالنبوة قط انتهى، والرجولية هي صدق اللسان ودفع الأذى عن الجيران والمواساة مع الإخوان هذا في الظاهر وأما في الحقيقة فالتنزه عن جميع ما سوى الله تعالى.
وفي حديث المعراج "إن الله تعالى نظر إلى قلوب الخلق فلم يجد أعشق من قلب محمد عليه السلام فلذا أكرمه"بالرؤية" فالعبرة لحال الباطن لا لحال الظاهر.
واعلم : أن حال الولاية كحال النبوة ولو رأيت أكثر أهل الولاية في كل قرن وعصر لوجدتهم ممن لا يعرف بجاه، ومن عجب من ذلك ألقي في ورطة الإنكار وحجب بذلك الستر عن رؤية الأخيار يا اأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ} (يونس : ٢) ﴿أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنَّ لَهُمْ﴾ أي : بأن لهم قدم صدق عند ربهم أي : أعمالاً صالحة سابقة قدموها ذخرا لآخرتهم ومنزلة رفيعة يقدمون عليها سميت قدما على طريق تسمية الشيء باسم آلته لأن السبق والقدوم يكون بالقدم كما سميت النعمة يداً ؛ لأنها تعطي باليد وإضافة قدم إلى الصدق من قبيل إضافة الموصوف إلى صفته للمبالغة في صدقها وتحققها كأنها في صدقها وتحققها مطبوعة منه وإذا قصد تبينها لا تبين إلا به.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قدم صدق شفاعة نبيهم لهم هو إمامهم إلى الجنة وهم بالأثر.
كفتى كنتم شفاعت عاصى عذر خواه
دل بر اميد آن كرم افتاد در كناه
قال الكافرون هم المتعجبون، أي : كفار مكة مشيرين إلى رسول الله عليه السلام إن هذا لساحر مبين (جاد ويست آشكارا)، وفيه اعتراف بأنهم صادفوا من الرسول أموراً خارقة للعادة معجزة إياهم عن المعارضة.
واعلم : أن الكفار سحرهم سحرة صفات فرعون النفس ولذا صاروا صما بكما عميا عن الحق فهم لا يعقلون الحق ولا يتبعون داعي الحق والنفس جبلت على حب الرياسة وطلب التقدم فلا ترضى أن تكون مرؤوسة تحت غيرها فاصلاحها إنما هو بالعبودية لتي هي ضد الرياسة والانقياد للمرشد.
وفي المثنوى :
همو استورى كه بكر يزد زبار
او سر خود كيرد اندر كوهسار
صاحبش از ى دوان كاى خيره سر
هر طرف كركيست اندر قصد خر
استخوانت را بخايد ون شكر
كه نبيني زندكانى را دكر
هين بمكريز از تصرف كردنم
وزكراني بار ون جانت منم
تو ستورى هم كه نفست غالبست
حكم الب را بود اي خود رست
مير آخر بود حق را مصطفا
بهر استوران نفس ر جفا
لا جرم اغلب بلا بر انبياست
كه راياضت دادن خامان بلاست
قال عيسى عليه السلام للحواريين : أين تنبت الحبة؟قالوا : في الأرض فقال : كذلك الحكمة
لا تنبت إلا في القلوب مثل الأرض يشير إلى التواضع وإلى هذه الإشارة يقول سيد البشر : من اخلصأربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه والينابيع لا تكون إلا في الأرض وهو موضع نبع الماء فظهر أن الكفار لما لم ينزلوا أنفسهم إلى مرتبة التواضع والعبودية.
ولم يقبلوا الأنذار بحسن النية، حرموا من الورود إلى المنهل العذب الذي هو القرآن، فبقوا عطشى الأكباد في زوايا الهجران، وأين المتكبرون المتصعدون إلى جوّ هوأهم.
من الشرب من ينبوع الهدى الذي أجراه من لسان حبيبه مولاهم؟ وكما أن الكفار بالكفر الجلي ادعوا كون القرآن سحراً وأنكروا مثل ذلك الخارق لعاداتهم، فكذا المشركون بالشرك الخفي أنكروا الكرامات المخالفة لمعاملاتهم.