قال الأمام اليافعي رحمه الله : ثم أن كثيراً من المنكرين لو رأوا الأولياء والصالحين يطيرون في الهواء لقالوا هذا سحر وهؤلاء شياطين ولا شك أن من حرم التوفيق وكذب بالحق غيباً وحدساً كذب به عياناً وحساً فواعجبا كيف نسب السحر وفعل الشياطين إلى الأنبياء العظام والأولياء الكرام؟ نسأل الله العفو والعافية سراً وجهاراً، وأن يحفظنا من العقائد الزائغة والأعمال الموجبة بوارا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : قدم صدق شفاعة نبيهم لهم هو إمامهم إلى الجنة وهم بالأثر.
كفتى كنتم شفاعت عاصى عذر خواه
دل بر اميد آن كرم افتاد در كناه
قال الكافرون هم المتعجبون، أي : كفار مكة مشيرين إلى رسول الله عليه السلام إن هذا لساحر مبين (جاد ويست آشكارا)، وفيه اعتراف بأنهم صادفوا من الرسول أموراً خارقة للعادة معجزة إياهم عن المعارضة.
واعلم : أن الكفار سحرهم سحرة صفات فرعون النفس ولذا صاروا صما بكما عميا عن الحق فهم لا يعقلون الحق ولا يتبعون داعي الحق والنفس جبلت على حب الرياسة وطلب التقدم فلا ترضى أن تكون مرؤوسة تحت غيرها فاصلاحها إنما هو بالعبودية لتي هي ضد الرياسة والانقياد للمرشد.
وفي المثنوى :
همو استورى كه بكر يزد زبار
او سر خود كيرد اندر كوهسار
صاحبش از ى دوان كاى خيره سر
هر طرف كركيست اندر قصد خر
استخوانت را بخايد ون شكر
كه نبيني زندكانى را دكر
هين بمكريز از تصرف كردنم
وزكراني بار ون جانت منم
تو ستورى هم كه نفست غالبست
حكم الب را بود اي خود رست
مير آخر بود حق را مصطفا
بهر استوران نفس ر جفا
لا جرم اغلب بلا بر انبياست
كه راياضت دادن خامان بلاست
قال عيسى عليه السلام للحواريين : أين تنبت الحبة؟قالوا : في الأرض فقال : كذلك الحكمة
لا تنبت إلا في القلوب مثل الأرض يشير إلى التواضع وإلى هذه الإشارة يقول سيد البشر : من اخلصأربعين صباحاً ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه والينابيع لا تكون إلا في الأرض وهو موضع نبع الماء فظهر أن الكفار لما لم ينزلوا أنفسهم إلى مرتبة التواضع والعبودية.
ولم يقبلوا الأنذار بحسن النية، حرموا من الورود إلى المنهل العذب الذي هو القرآن، فبقوا عطشى الأكباد في زوايا الهجران، وأين المتكبرون المتصعدون إلى جوّ هوأهم.
من الشرب من ينبوع الهدى الذي أجراه من لسان حبيبه مولاهم؟ وكما أن الكفار بالكفر الجلي ادعوا كون القرآن سحراً وأنكروا مثل ذلك الخارق لعاداتهم، فكذا المشركون بالشرك الخفي أنكروا الكرامات المخالفة لمعاملاتهم.
قال الأمام اليافعي رحمه الله : ثم أن كثيراً من المنكرين لو رأوا الأولياء والصالحين يطيرون في الهواء لقالوا هذا سحر وهؤلاء شياطين ولا شك أن من حرم التوفيق وكذب بالحق غيباً وحدساً كذب به عياناً وحساً فواعجبا كيف نسب السحر وفعل الشياطين إلى الأنبياء العظام والأولياء الكرام؟ نسأل الله العفو والعافية سراً وجهاراً، وأن يحفظنا من العقائد الزائغة والأعمال الموجبة بوارا.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٦
﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِى خَلَقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ (الرحمن : ٢٩) وهو الزمن الفرد الغير المنقسم وسمى يوماً لأن الشان يحدث فيه فبالآن تتقدر الدقائق وبالدقائق تتقدر الدرج وبالدرج تتقدر الساعات وبالساعات يتقدر اليوم فإذا انبسط الآن سمى اليوم وإذا انبسط اليوم سمى أسابيع وشهوراً وسنين أدواراً فيوم كالآن وهو أدنى ما يطلق عليه الزمان ومنه يمتد الكل ويوم كألف سنة وهو يوم الآخرة ويوم كخمسين ألف سنة وهو يوم القيامة، أي : أدنى مقدار ستة أيام لأن اليوم عبارة عن زمان مقدر مبدأه طلوع الشمس ومنتهاه غروبها فكيف تكون حين لا شمس ولا نهار ولو شاء لخلقها في أقل من لحظة لكنه أشار إلى التأني في الأمور، فلا يحسن التعجيل إلا في التوبة وقضاء الذين وقرى الضيف وتزويج البكر ودفن الميت والغسل من الجنابة.
وفي المثنوى :
مكر شيطانست تعجيل وشتاب
خوى رحمانست صبر واحتساب
با تأنى كشت موجود از خدا
تابشش روز اين زمين ورخها
ورنه قادر بود كز كن فيكون
صد زمين ورخ آوردى برون
اين تأتني از ى تعليم تست
طلب آهسته بايد بى شكست
وقد جاء في الصحيح :"إن الله خلق التربة" يعني : الأرض "يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل".
فإن قيل : القرآن يدل على أن خلق الأشياء في ستة أيام والحديث الصحيح المذكور على أنها سبعة.
فالجواب أن السموات والأرض وما بينهما خلق في ستة أيام وخلق آدم من الأرض فالأرض خلقت في ستة أيام وآدم كالفرع من بعضها كما في فتح القريب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ٧