وأخذ الذين ظلموا أنفسهم الصيحة أي : صيحة جبرائيل عليه السلام وهو فاعل أخذ والموصول مفعوله والصيحة فعلة تدل على المرة من الصياح وهو الصوت الشديد يقال : صاح يصيح صياحاً، أي : صوت بقوة وفي سورة الأعراف فأخذتهم الرجفة أي : الزلزلة ولعلها وقعت عقيب الصيحة المستتبعة لتموج الهواء.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٩
قال الكاشفي :(در زاد المسير آورده كه درآن سه روزكه وعده حيات داشتند درخانهاى خود ساكن شده قبرها كنديد ندو منتظر عذاب مى بودند ون روز هارم آفتاب طالع شده وعذاب نيامد ازمنازل بيرون آمده يكديركررا مى خواندند واستهزا ميكر دندكه ناكاه جبرائيل برصورت اصل خويش ايش برزمين وسر برآسمان رهاى خويش نشر كرده ازمشرق تا مغرب ايهاى وى زرد وبالهايش سبز ودندانهاى سفيد وبراق ويشانى باجلا ونوراني ورخسارى برا فروخته وموى سروي سرخ برنك مرجان ظاهر شده وأوفق را بوشيد وقوم ثمود آن حالرا مشاهده نمودند وروى بمساكن نهاده بقبور در آمدند جبرائيل نعره زدكه موتوا عليكم لعنة الله بيكبار همه مردند وزلزله در خانها افتاده سقفها برايشان فرود آمد) فأصبحوا أي : صاروا في ديارهم في بلادهم أو في مساكنهم.
جاثمين خامدين ميتين لا يتحركون والمراد كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم من غير اضطراب وحركة كما يكون ذلك عند الموت المعتاد.
ولا يخفى ما فيه من الدلالة على شدة الأخذ وسرعته، اللهم إنا نعوذ بك من حلول غضبك، وجثومهم سقوطهم على وجوههم أو الجثوم السكون يقال : للطير إذا باتت في أوكارها جثمت ثم إن العرب أطلقوا هذا اللفظ على ما لا يتحرك من الموت.
قال في بحر العلوم : يقال : الناس جثم، أي : قعود لاحراك بهم ولا ينبسون بنبسة ومنه المجثمة التي نهى الشرع عنها وهي البهيمة تربط وتجمع قوائمها لترمى.
وفي المثنوى :
شحنه قهر خدا ايشان بجست
خونبهاى اشترى شهري درست
ون همه درنا اميدى سر زدند
همو اشتر دردو زانوا آمدند
در نبي آورد جبريل أمين
شرح اين زانوا زدن را جاثمين
زانوا آندم زن كه تعليمت كنند
وز نين زانوا زدن بيمت كنند
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٩
﴿كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا﴾ أي : كأنهم لم يقيموا في ديارهم ولم يكونوا أحياء مترددين متصرفين وهو في موقع الحال أي : أصبحوا جاثمين مماثلين لمن لم يوجد ولم يقم في مقام قط.
والمغنى المنزل والمقام الذي يقيم الحي به يقال : غنى الرجل بمكان كذا، أي : أقام به وغنى أي : عاش.
ألا (بدانيد) إن ثمود كفروا ربهم جحدوا بوحدانية الله تعالى فهذا تنبيه وتخويف لمن بعدهم ألا بعدا (دوري وهلاك) لثمود فقولهبعداً مصدر وضع موضع فعله فإن معناه بعدوا اي هلكوا، واللام لبيان من دعى عليهم، وفائدة الدعاء عليهم بعد هلاكهم الدلالة على استحقاقهم عذاب
١٦٠
الاستئصال بسبب كفرهم وتكذيبهم وعقرهم ناقة الله تعالى.
وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله لما نزل الحجر في غزوة تبوك قام فخطب الناس فقال : يا أيها الناس لا تسألوا نبيكم الآيات هؤلاء قوم صالح سألوا نبيهم أن يبعث لهم الناقة فكانت ترد من هذا الفج، فتشرب ماءهم يوم وردها ويحلبون من لبنها مثل الذي كانوا يشربون من مائها يوم غبها، فعتوا عن أمر ربهم فقال : تمتعوا في داركم ثلاثة أيام وكان وعداً من الله غير مكذوب ثم جاءتهم الصيحة فأهلك الله من كان في مشارق الأرض ومغاربها منهم إلا رجلاً كان في حرم الله فمنعه حرم الله من عذاب الله يقال له أبو رغال قيل له يا رسول الله من أبو رغال قال : أبو ثقيف.
الإشارة فيه أنه أشار إلى إهلاك النفس وصفاتها بعذاب البعد وصاعقة القهر إلا ما كان في حرم الله تعالى وهو الشريعة يعني : النفس وصفاتها إن لم تكن آمنت ولكن التجأت إلى حرم الشريعة آمنت من عذاب البعد فتكون بقدر التجائها في القرب وجوار الحق وهو الجنة ولهذا قال تعالى للنفس المطمئنة : فادخلي في عبادي وادخلي جنتي}(الفجر : ٢٩ ـ ـ ٣٠) كما في "التأويلات النجمية".
والناس في القرب والبعد والسلوك والترك على طبقات، فمنهم من اختار الله له في الأزل البلوغ إليه بلا كسب ولا تعمل فوقع مفطوراً على النظر إليه بلا اجتهاد بدفع غيره عن مقتضى قصده، ومنهم من شغلته الأغيار عن الله زماناً فلم يزل في علاج وجودها بتوفيق الله تعالى حتى أفناها ولم يبق له سواه سبحانه، ومنهم من بقي في الطريق ولم يصل إلى المقصد الأقصى لكون نشأته غير حاملة لما أراده، ومنهم من لم يدر ما الطريق وما الدخول فيها فبقي في مقامه الطبيعي.
قال الحافظ :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٠
قومي بجد وجهد خريدند وصل دوست
قومي دكر حواله بتقدير ميكنند