أما الأول فأخذوا بقول الله تعالى :﴿وَالَّذِينَ جَـاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ (العنكبوت : ٦٩) فالوصل إذا مما للكسب مدخل فيه فيكون كالوزارة الممكن حصولها بالأسباب، وأما الثاني فجعلوا الوصل من الاختصاصات الإلهية التي ليس للكسب مدخل فيها عند الحقيقة فهو كالسلطنة قال الله تعالى :﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَـالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِى الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ﴾ (البقرة : ٢٦٩) وقال :﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ﴾.
﴿وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ﴾ (فاطر : ٢) أي : وبالله لقد جاء جبريل وجمع من الملائكة معه في صورة الغلمان الذين يكونون في غاية الحسن والبهاء والجمال إلى إبراهيم عليه السلام.
[العنكبوت : ٣١-٧١]﴿بِالْبُشْرَى﴾ أي : ملتبسين بالبشارة بالولد من سارة بدليل ذكره في سور أخرى ولأنه أطلق البشرى هنا، وقيد في قوله : فبشرناها بإسحاق}(هود : ٧١) والمطلق محمول على المقيد ﴿قَالُوا سَلَـامًا﴾ أي : سلمنا عليك سلاماً أو نسلم.
وبالفارسية (سلام ميكنيم برتو سلام كردنى) قال إبراهيم عليكم سلام حياهم بأحسن من تحيتهم لأن الجملة الفعلية دالة على التجدد والحدوث والأسمية دالة على الثبات والاستمرار.
قال الكاشفي :(إبراهيم عليه السلام ندانست كه فرشتكانند ايشانرا در مهما نخانه نشانيد) فما نافية لبث مكث إبراهيم أن جاء بعجل ولد البقرة حنيذ يعني :(س درنك نكرد تا آنكه آورد كوساله بريان كرده برسنك كرم) والحنيذ هو المشوي في حفرة من الأرض بالحجارة المحماة بغير تنور ومن غير أن تمسه النار
١٦١
كفعل أهل البادية فإنهم يشوون في الأخدود بالحجارة المحماة.
وفي الكواشي حنيذ مشوي في حفيرة يقطر دسماً من حنذت الفرس إذا وضعت إليه جلاله ليسيل عرقه.
وفي التأويلات النجمية : قالوا سلاماً أي : نبلغك سلاماً قولاً من رب رحيم قال سلام أي : علينا سلام الجليل وهذا كما كان حال الحبيب ليلة أسرى به قال : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته قال الحبيب : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين والفرق بين الحبيب والخليل أن سلام الحبيب بلا واسطة وسلام الخليل بواسطة الرسل وفي سلام الحبيب زيادة رحمة الله وبركاته فما لبث أن جاء بعجل حنيذ تكرمة لسلام الخليل وإعزازاً لرسله انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٠
قاصد دلبر كه آرد يك يام
از حبيب من كه آمديك سلام
م دكانه مال وجانم مى دهم
هره ميدارم براهش مى نهم
قال مقاتل : إنما جاءهم بالعجل لأنه كان أكثر ماله البقر فلما قرب إليهم ووضع بين أيديهم كفواً عنه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٠
﴿فَلَمَّا رَءَآ أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ﴾.
نكرهم أنكر ذلك منهم ولم يعرف سبب عدم تناولهم منه وامتناعهم عنه.
وأوجس الإيجاس الإدراك.
وفي التهذيب (بيم دردل كرفتن) أي : أحس وأدرك منهم من جهتهم خيفة لما وقع في نفسه أنهم ملائكة وأن نزولهم لأمر أنكره الله عليه أو لتعذيب قومه.
قال في التأويلات النجمية : ما كان خوف إبراهيم خوف البشرية بأن خاف على نفسه فإنه حين رمى بالمنجنيق إلى النار ما خاف على نفسه وقال : أسلمت لرب العالمين وإنما كان خوفه خوف الرحمة والشفقة على قومه يدل عليه.
قالوا لا تخف إنا أرسلنا بالعذاب إلى قوم لوط خاصة ما أرسلنا إلى قومك فكن طيب النفس وكان أخا سارة أو ابن أخي إبراهيم عليهما السلام.
وامرأته سارة بنت هاران بن ناخور وهي ابنة عمه.
قائمة وراء الستر بحيث تسمع محاوراتهم أو على رؤوسهم للخدمة، وكانت نساؤهم لا تحجب كعادة الأعراب ونازلة البوادي والصحراء، ولم يكن التبرج مكروهاً وكانت عجوزاً، وخدمة الضيفان مما يعد من مكارم الأخلاق والجملة حال من ضمير قالوا : أي : قالوا : لإبراهيم لا تخف في حال قيام امرأته.
فضحكت سروراً بزوال الخوف.
فبشرناها بإسحاق أي : عقبنا سرورها بسرور أتم منه على ألسنة رسلنا وإسحاق بالعبرانية الضحاك.
ومن وراء إسحاق الوراء فعال ولامه همزة عند سيبويه وأبي علي الفارسي، وياء عند العامة وهو من ظروف المكان، بمنى خلف وقدام فهو من الأضداد وقد يستعار للزمان كما في هذا المكان.
والمعنى وهبنا لها بعد إسحاق يعقوب فهو من عطف جملة على جملة ولا يكون يعقوب على هذا مبشراً به.
وقال في التبيان : أي : بشروها بأنها تلد إسحاق وأنها تعيش إلى أن ترى ولد الولد وهو يعقوب بن إسحاق والاسمان يحتمل وقوعهما في البشارة كيحيى حيث سمى به في البشارة قال الله تعالى : إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى}(مريم : ٧) ويحتمل وقوعهما في الحكاية بعد أن ولد فسميا بإسحاق ويعقوب وتوجيه البشارة إليها لا إليه، مع أنه الأصل في ذلك للدلالة على أن الولد المبشر به يكون منها ولأنها كانت عقيمة حريصة على الولد وكان لإبراهيم ولده إسماعيل من هاجر لأن المرأة أشد فرحاً بالولد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٢
وقال ابن عباس : ووهب
١٦٢