فضحكت تعجباً من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها وعلى هذا تكون الآية من التقديم والتأخير تقديره وامرأته قائمة فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فضحكت كما في "بحر العلوم" و"تفسير أبي الليث".
وقال في "التأويلات النجمية" : هذه البشارة لها ما كانت بشارة تتعلق ببشريتها وحيوانيتها وما كان ضحكها للسرور بحصول الابن الذي هو من زينة الدنيا وإنما كان ضحكها لسرور نجاة القوم من العذاب وكانت بشارتها بنبوة ابنها إسحاق بعد إبراهيم ومن وراء إسحاق يعقوب أي بعد إسحاق يكون يعقوب نبياً وتكون النبوة في عقبهم إلى عهد خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلّم فإنه يكون من عقب إسماعيل.
قال الكاشفي عند قوله تعالى :﴿بِالْبُشْرَى﴾ (در حقايق آورده كه مده بود بظهور حضرت سيد أنبياء از صلب وى بآنكه خاتم يغمبران وصاحب لواء حمداست وجه بشارت در مقابله اين تواند بودكه دريرا نين سر باشد) :
خوش وقت آن دركه نين باشدش سر
ساباش ازان صدف كه نين رورد كهر
آبا ازو مكرم وابنا ازو عزيز
صلوا عليه ما طلع الشمس والقمر
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٢
﴿قَالَتْ كَأَنَّهُ﴾ قالت : إذ بشرت بذلك فقيل قالت : يا ويلتنا أي : يا عجباً أصله يا ويلتني فأبدل من الياء الألف، ومن كسرة التاء الفتحة لأن الألف مع الفتحة أخف من الياء مع الكسرة وأصل هذه الكلمة في الشر، لأن الشخص ينادي ويلته وهي هلكته يقول لها تعالي واحضري فهذا أوان حضورك، ثم اطلق في كل أمر عجب كقولك يا سبحان الله وهو المراد هنا.
قال سعدي المفتي : أصل الدعاء بالويل ونحوه في التفجع لشدة مكروه يدهم النفس ثم استعمل في عجب يدهم النفس ءالد (آيا من بزايم) وأنا عجوز بنت تسعين أو تسع وتسعين سنة لم ألد قط وهذا الذي تشاهدونه بعلءَ أي : زوجي وأصله القائم بالأمر شيخاً ابن مائة سنة أو مائة وعشرين ونصبه على الحال والعامل معنى الإشارة.
قال في الكواشي : كأنها أشارت إلى معروف عندهم أي : هذا المعروف بعلي ثم قالت : شيخاً أي : أشير إليه في حال شيخوخته ولو لم يكن معروفاً عندهم لكان يجب أن يكون بعلها مدة شيخوخته ولم يكن بعلها مدة شبيبته ونحوه هذا زيد قائماً إن أخبرت من يعرفه صح المعنى وإن أخبرت من لا يعرفه لا يصح لأنه إنما يكون زيداً ما قام، فإذا ترك القيام فليس بزيد، وقدمت بيان حالها على بيان حال بعلها لأن مباينة حالها لما ذكر من الولادة أكثر إذ ربما يولد للشيوخ من الشواب ولا يولد للعجائز من الشبان.
إن هذا أي : حصول الولد من هرمين مثلنا.
لشيء عجيب بالنسبة إلى سنة الله المسلوكة فيما بين عباده ومقصدها استعظام نعمة الله عليها في ضمن الاستعجاب العادي لا استبعاد ذلك بالنسبة إلى قدرة الله تعالى ؛ لأن التعجب من قدرة الله يوجب الكفر لكونه مستلزماً للجهل بقدرة الله تعالى.
قالوا منكرين عليها أتعجبين من أمر الله أي : من شأن الله تعالى بإيجاد الولد من كبيرين.
قال الكاشفي (ازكار خداى تعالى هي عجب نيست كه از صنع بي آلت واز فضل بي علت ازميان دو ير فرزندى بيرون آرد).
قدرتي راكه بر كمال بود
كى نينها از ومحال بود
١٦٣
قال سعدي المفتي : أخذ جبريل عموداً من الأرض يابساً فدلكه بين أصبعيه فإذا هي شجرة تهتز فعرفت أنه من الله تعالى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٣
وفي التأويلات النجمية : من أمر الله أي : من قدرة الله تعالى فإنتعالى سنة وقدرة فيجرى أمر العوام بسنته وأمر الخواص إظهاراً للآية، والإعجاز بقدرته فأجرى أمركم بقدرته ومثلها امرأة عمران وهي حنة، كانت عاقراً لم تلد إلى أن عجزت أي : صارت عجوزاً، ثم حملت بمريم وقد سبق في آل عمران فإذا كان هذا الحمل بقدرة الله تعالى خارقاً للعادة لم يحتج إلى الحيض ولا يبعد الحيض أيضاً في كبر السن، كما فسر بعض العلماء قوله تعالى : ضحكت بحاضت قيل لما صلب الحجاج عبد الله بن الزيبر جاءته أمه أسماء بنت أبي بكر الصديق فلما رأته حاضت مع كبر سنها وقد بلغت مائة سنة وخرج اللبن من ثدييها وقالت : حنت إليه مراتعه ودرت عليه مراضعه، رحمة الله التي وسعت كل شيء واستبقت كل خير.
وبركاته خيراته النامية المتكاثرة في كل باب التي من جملتها هبة الأولاد حالتان.
عليكم لازمتان لكم لا تفارقاكم يا أهل البيت أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمكم به رب العزة ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوة فليست بمكان عجب.
والجملة مستأنفة فقيل خبر وهو الأظهر وقيل دعاء وقيل الرحمة النبوة والبركات الأسباط من بني إسرائيل لأن الأنبياء منهم وكلهم من ولد إبراهيم عليه السلام ومثله في قصة نوح عليه السلام قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك}(هود : ٤٨) وقد سبق ﴿أَنَّهُ﴾ أي : الله تعالى حميد فاعل ما يستوجب به الحمد من عبادة لا سيما في حقها مجيد كثير الخير والإحسان إلى عباده خصوصاً في أن جعل بيتها مهبط البركات.


الصفحة التالية
Icon