وفي التأويلات النجمية حميد على ما يجري من السنة والقدرة مجيد فيما ينعم به على العوام والخواص وأصل المجد في كلامهم السعة.
قال ابن الشيخ : المجد الكرم، والمجيد صيغة مبالغة منه.
وقال الإمام الغزالي رحمه الله : المجيد الشريف ذاته، الجميل أفعاله، الجزيل عطاؤه ونواله فكان شريف الذات إذا قارنه حسن الفعال سمي مجيداً.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٣
[البقرة : ٢٢٥]﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ﴾ أي : زال الخوف والفزع الذي أصابه لما لم يأكلوا من العجل، واطمأن قلبه بعرفانهم بحقيقتهم الملكية وعرفان سبب مجيئهم وجاءته البشرى بنجاة قومه كما قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط أو بالولد إسحاق كما قال : فبشرناها بإسحاق وإبراهيم أصل في التبشير كما قال في سورة أخرى : وبشرناه بغلام حليم}(الصافات : ١٠١) ﴿يُجَـادِلُنَا﴾ أي : جادل وخاصم رسلنا لأنه صرح في سورة العنكبوت بكون المجادلة مع الرسل وجيء بجواب لما مضارعاً مع أنه ينبغي أن يكون ماضياً لكونها موضوعة للدلالة على وقوع أمر في الماضي لوقوع غيره فيه على سبيل الحكاية الماضية.
في قوم لوط في شأنهم وحقهم لرفع العذاب جدال الضعيف مع القوى لا جدال القوي مع الضعيف بل جدال المحتاج الفقير مع الكريم الغني وجدال الرحمة والمعاطفة وطلب النجاة للضعفاء والمساكين الهالكين، وكان لوط ابن أخيه، وهو لوط بن آزور ابن آزر، وإبراهيم بن آزر ويقال : ابن عمه وسارة كانت أخت لوط، فلما سمعا بهلاك قوم لوط اغتما لأجل لوط فطفق إبراهيم يجادل الرسل حين قالوا : إنا مهلكوا أهل هذه القرية فقال : أرأيتم لو كان فيها خمسون رجلا من المؤمنين أتهلكونها؟ قالوا : لا، قال : فأربعون؟ قالوا : لا قال : فثلاثون؟ قالوا : لا، حتى بلغ خمسة قالوا : لا قال : أرأيتم إن كان فيها رجل واحد مسلم أتهلكونها؟
١٦٤
قالوا : لا، فعند ذلك قال : فإن فيها لوطاً قالوا : نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله.
إن إبراهيم لحليم غير عجول على الانتقام من أساء إليه أواه كثير التأوه على الذنوب والتأسف على الناس.
وفي ربيع الأبرار معنى التأوه الدعاء إلى الله بلغة توافق النبطية منيب راجع إلى الله تعالى بما يحب ويرضى أي : كان جداله بحلم وتأوه عليهم فإن الذي لا يتعجل في مكافاة من يؤذيه يتأوه أي : يقول أوه وآه إذا شاهد وصول الشدائد إلى الغير وإنه مع ذلك راجع إلى الله في جميع أحواله أي : ما كان بعض أحواله، مشوباً بعلة راجعة إلى حظ نفسه، بل كان كلهفتبين أن رقة القلب حملته على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب ويمهلوا لعلهم يحدثون التوبة والإنابة كما حملته على الاستغفار لأبيه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٤
يقول الفقير دلت الآية على أن المجادلة وقعت في قوم لوط ودلت التفاسير على أنها وقعت في لوط نفسه والمؤمنين معه ولا تنافي بينهما، فإن عموم الرحمة التي حملته عليها نشأة الأنبياء عليهم السلام لا يميز بين شخص، وشخص فإن الأمة بالنسبة إلى النبي كالأولاد بالنسبة إلى الأب، وكفرهم لا يرفع الرحمة في حقهم، ويدل عليه حال نوح مع ابنه كنعان كما وقفت عليه فيما سبق وإنما مجيء البشرى في حق قومه فقط فبقي الألم في حق الغير على حاله واتصال القرابة بين إبراهيم ولوط يقتضي أن يكون قوم لوط في حكم قوم إبراهيم فافهم.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٤
يا اإِبْرَاهِيمُ} على إرادة القول أي : قالت الملائكة : يا إبراهيم أعرض عن هذا الجدال بالحلم والرحمة على غير أهل الرحمة إنه أي : الشأن قد جاء أمر ربك قدره بمقتضى قضائه الأزلي بعذابهم وهو أعلم بحالهم والقضاء هو الإرادة الأزلية، والعناية الإلهية المقتضية لنظام الموجودات على ترتيب خاص والقدر تعلق الإرادة بالأشياء في أوقاتها وإنهم آتيهم عذاب غير مردود غير مصروف عنهم بجدال ولا بدعاء ولا بغير ذلك وإنك مأجور مثاب فيما جادلتنا لنجاتهم، وهذا كما كان النبي يقول : اشفعوا تؤجروا وليقصن الله على لسان نبيه ما شاء قال ابن الملك في شرح الحديث : لا يخفى أن مطلق الشفاعة لا يكون سبباً للأجر فيحمل على أن تكون الشفاعة لأرباب الحوائج المشروعة كدفع ظلم وعفو عن ذنب ليس فيه حد انتهى.
والحد : واجب في اللواطة عند الإمامين لأنهما ألحقاها بالزنى، وعند أبي حنيفة يعزر في ظاهر الرواية وزاد في الجامع الصغير ويودع في السجن حتى يتوب، وروى عنه الحد في دبر الأجنبية ولو فعل هذا بعبده أو أمته أو منكوحته لا يحد بلا خلاف.
وفي الشرح الأكملي والظاهر أن ما ذهب إليه أبو حنيفة أنما هو استعظام لذلك الفعل فإنه ليس في القبح بحيث يجازي بما يجازي القتل أو الزنى وإنما التعزير لتسكين الفتنة الناجزة كما أنه يقول في اليمين الغموس : إنه لا يجب فيه الكفارة لأنه لعظمه لا يستتر بالكفارة.