يقول الفقير : الظاهر أن إتيان العذاب الغير المردود لإصرارهم على الكفر والتكذيب بعد استبانة الحق واللواطة من جملة أسباب الإتيان كالعقر لناقة الله بالنسبة إلى قوم صالح روي أن الرسل الذين بشروا إبراهيم خرجوا بعد هذه المجادلة من عنده وانطلقوا إلى قرية لوط سدوم وما بين القريتين أربعة فراسخ فانتهوا إليها نصف النهار فإذا هم بجوار يستقين من الماء فأبصرتهم ابنة لوط وهي تستقي الماء فقالت : لهم ما شأنكم وأين تريدون قالوا : أقبلنا من مكان
١٦٥
كذا ونريد كذا فأخبرتهم عن حال أهل المدينة وخبثهم فاظهروا الغم من أنفسهم فقالوا : هل أحد يضفنا في هذه القرية؟ قالت : ليس فيها أحد يضيفكم إلا ذاك الشيخ، فأشارت إلى أبيها لوط وهو قائم على بابه فأتوا إليه.
وقال الكاشفي :(ون نزديك شهر سدوم رسيدندكه لوط در انجا مى بود نكاه كردند ديدندكه وى درزمين كار ميكرد ييش وى رفتند وسلام كردند) فلما رآهم وهيئتهم ساءه ذلك وهو قوله تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٥
﴿وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِىاءَ بِهِمْ﴾ (اندوهكين شد بديشان) وهو فعل مبني للمفعول والقائم مقام الفاعل ضمير لوط من قولك ساءني كذا أي : حصل لي منه سوء وحزن وغم وبهم متعلق به أي : بسببهم.
والمعنى ساءه مجيئهم لا لأنهم جاؤوا مسافرين وهو لا يود الضيف وقراه فحاشى بيت النبوة عن ذلك بل لأنهم جاؤوا في صورة غلمان حسان الوجوه فحسب أنهم أناس فخاف عليهم أن يقصدهم قومه فيعجز عن مقاومتهم ومدافعتهم.
وفيه إشارة إلى عروض الهمّ والحزن له لهلاك قومه بالعذاب فانظر إلى التفاوت بين إبراهيم ولوط وبين قومهما حيث كان مجيئهم لإبراهيم للمسرة وللوط للمساءة مع تقديم المسرة ؛ لأن رحمة الله سابقة على غضبه وروى أن الله تعالى قال لهم : لا تهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات فلما أتوا إليه قال لهم : أما بلغكم أمر هذه القرية؟ قالوا : وما أمرها؟ قال : أشهد بالله إنها لشرّ قرية في الأرض عملاً يقول ذلك أربع مرات فدخلوا منزله ولم يعلم بذلك أحد فأذاع خبرهم امرأته الكافرة كما ستقف عليه وضاق بهم ذرعاً (وتنك دل شد بجهت ايشان) وذرعا نصب على التمييز أي : ضاق بمكانهم صدره أو قلبه أو وسعه وطاقته، وهو كناية عن شدة الانقباض للعجز عن مدافعة المكروه والاحتيال فيه يقال : ضاق ذرع فلان بكذا إذا وقع في مكروه ولا يطيق الخروج منه.
وفي الاخترى ضاق به ذرعاً أي : طاقة وضاق بالأمر أي : لم يطقه ولم يقو عليه وكان مد إليه يده فلم تنله.
قال الأزهري : الذرع يوضع موضع الطاقة والأصل فيه البعير يذرع بيديه في سيره ذرعاً على قدر سعة خطوته فإذا حمل عليه أكثر من طاقته ضاق ذرعه عن ذلك فضعف ومد عنقه وجعل ضيق الذرع عبارة عن قلة الوسع والطاقة فيقال : مالي به ذرع ولا ذراع أي : مالي به طاقة وقال هذا يوم عصيب أي : شديد عليّ وهو لغة جرهم كما في ربيع الأبرار ثم قال لوط لامرأته : ويحك قومي اخبزي ولا تعلمي أحداً، وكانت امرأته كافرة منافقة فانطلقت لطلب بعض حاجتها فجعلت لا تدخل على أحد إلا أخبرته، وقالت : إن في بيت لوط رجالاً ما رأيت أحسن وجوهاً منهم ولا أنظف ثياباً ولا أطيب رائحة، فلما علموا بذلك جاؤوا إلى باب لوط مسرعين فذلك قوله تعالى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٦
وجاءه أي : لوطاً وهو في بيته مع أضيافه قومه والحال أنهم يهرعون إليه يسرعون إليه كأنما يدفعون دفعاً طلباً للفاحشة من أضيافه غافلين عن حالهم جاهلين بمآلهم والإهراع الإسراع.
قال في التهذيب الهرع :(براندن سخت وشتا بانيدن) يقال : اهرع القوم وهرعوا ومن قبل كانوا يعملون السيئات الجملة حال أيضاً من قومه أي : جاؤوا مسرعين والحال أنهم كانوا من قبل هذا الوقت وهو وقت مجيئهم إلى لوط منهمكين في عمل الفواحش (عملهاى بد از لواطه وكبوتر بازى وصفير زدن در مجالس وبراى استهزا نشستن
١٦٦
برسر راها) فتمرنوا بها، أي : تعودوا واستمروا حتى لم تعب عندهم قباحتها ولذلك لم يستحيوا ما فعلوا من مجيئهم مهرعين مجاهرين.
وفي التأويلات النجمية كانوا يعملون السيئات الموجبة للهلاك والعذاب فجاؤوا مسرعين مستقبلي العذاب وطلبوا من بيت النبوة من أهل الطهارة معاملة ساءتهم بخباثة نفوسهم ليستحقوا بذلك كمال الشقاوة وسرعة العذاب انتهى.
ودل ما ذكر على أن جهار الفسق فوق إخفائه ولذا رد شهادة الفاسق المعلن وفي الحديث : كل أمتي معافى إلا المجاهرون أي : لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون بل يؤخذون في الدنيا إن كانت مما يتعلق بالحدود وأما في الآخرة فمطلقاً.
قال السعدي قدس سره :
نه هركز شنيدم درين عمر خويش
كه بد مردرا نيكى آمد بيش
نه ابليس بدكرد ونيكى نديد
بر اك نايد زتخم ليد


الصفحة التالية
Icon