قال يا قوم (اي قو من) هؤلاء مبتدأ خبره قوله بناتي الصلبية فتزوجوهن وكانوا يطلبونهن من قبل ولا يجيبهم لخبثهم وعدم كفاءتهم لا لعدم مشروعيته فإن تزويج المسلمات من الكفار كان جائزاً في شريعته، وهكذا كان في أول الإسلام بدليل أنه عليه السلام زوج ابنتيه من أبي العاص بن وائل وعتبة بن أبي لهب قبل الوحي وهما كافران ثم نسخ ذلك بقوله تعالى : ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا}(البقرة : ٢٢١) وقيل كان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما ابنتيه وأياً ما كان فقد أراد به وقاية ضيفه وذلك غاية في الكرم ﴿هُنَّ﴾ مبتدأ خبره قوله أطهر لكم هذا لا يدل على أن إتيان الذكور كان طاهراً، كما لا يدل قولك النكاح أطهر من الزنى على كون الزنى طاهراً، لأنه خبث ليس فيه شيء من الطهارة لكن هؤلاء القوم اعتقدوا ذلك طهارة فبنى ذلك على زعمهم الفاسد واعتقادهم الباطل، وهو مثل ما قال النبي عليه السلام لعمر رضي الله عنه : الله أجل وأعلى جواباً لأبي سفيان حيث قال : أعل هبل اعتقد علو صنمه وذلك اعتقاد فاسد لا شبهة فيه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٦
يقول الفقير عرض عليهم أولاً بناته لكي يرغبوا فيهن فينسد باب الفتنة ففيه حسن دفع لهم من أول الأمر وبناته وإن لم تف للجميع الكثير، لأنه على ما روى كان له بنتان لكنه إذا أرضى بهن البعض ممن كان مطاعاً انقطع عرق النزاع من الاتباع، ولئن سلم أنه لم يكن فيهم مطاع فلقد شاهدنا اندفاع شر كثير بخير يسير، ثم حكم بكونهن أطهر وهو للزيادة المطلقة على ما ذهب إليه الرازي في الكبير تأكيداً للترغيب وتقبيحاً لحالهم في استطابة الخبائث لينزجروا ويتركوا ما هم عليه من اللواطة، فإنه إذا كان المحيض أذى وقذراً يجب التجنب عنه مع كون المحل مباح الأصل فلأن يكون الجزاء كذلك أولى مع كون المحل حرام الأصل فاتقوا الله بترك الفواحش أو بإيثارهن عليهم ولا تخزون (مرا رسواى نكنيد) في ضيفي في حقهم وشأنهم فإن أخزاء ضيف الرجل أخزاؤه كما أن إكرام من يتصل به إكرامه.
والضيف مصدر في الأصل يكون للقليل والكثير أليس منكم رجل رشيد رجل واحد يهتدي إلى الحق ويرعوى عن القبيح.
وقال الكاشفي :(آيانيست ازشما مردى راه يافته كه شمارا ند دهد واز عملهاى بد باز دارد).
وفي التأويلات النجمية رجل رشيد يقبل نصحي ويتوب إلى
١٦٧
الله بالصدق فينجيكم من العذاب ببركته انتهى.
وذلك لأن الواحد على الحق كالسواد الأعظم وكالأكسير.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٦
﴿قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِى بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾ أي : لا رغبة لنا فيهن فلا ننكحهن ومقصودهم أن نكاح الإناث ليس من عادتنا ومذهبنا ولذا قالوا : علمت فإن لوطاً كان يعلم ذلك ولا يعلم عدم رغبتهم في بناته بخصوصهن ويؤيده قوله وإنك لتعلم ما نريد هو إتيان الذكور وهو في الحقيقة طلب ما أعد الله لهم في الأزل من قهره يعني الهلاك بالعذاب ولما يئس من ارعوائهم عماهم عليه من الغي قال لو أن لي بكم قوة لو للتمنى وهو الأنسب بمثل هذا المقام فلا يحتاج إلى الجواب وبكم حال من قوة أي : بطشاً، والمعنى بالفارسية (كاشكى مرا باشد بدفع شما قوتي) أو آوي إلى ركن شديد عطف على أن لي بكم، لما فيه من معنى الفعل، والركن بسكون الكاف وضمها الناحية من الجبل وغيره أي : لو قويت على دفعكم ومقاومتكم بنفسي، أو التجأت إلى ناصر عزيز قوي استند إليه وأتمنع به فيحميني منكم شبه بركن الجبل في الشدة والمنعة.
وقال الكاشفي :(ياناه كيرم وباز كردم بركنىء سخت يعني شعيره وقبيله كه بديشان منع شماتوا نم كرد) وكان لوط رجلاً غريباً فيهم ليس له عشيرة وقبيلة يلتجىء إليهم في الأمور الملمة والغريب لا يعينه أحد غالباً في أكثر البلدان خصوصاً في هذا الزمان.
قال الحافظ :
تيمار غريبان سبب ذكر جميلست
جانا مكر اين قاعده درشهر شمانيست
وإنما تمنى القوة لأن الله تعالى خلق الإنسان من ضعف كما قال : خلقكم من ضعف}(الروم : ٥٤) والعارف ينظر إلى هذا الضعف ذوقاً وحالاً ولذا قيل إن العارف التام المعرفة في غاية العجز والضعف عن التأثير والتصرف لانقهاره تحت الوحدة الجمعبة وقد قال تعالى :﴿فَاتَّخِذْهُ وَكِيلا﴾ (المزمل : ٩) والوكيل هو المتصرف، فإن ألهم التصرف بجزم تصرف، وإن منع امتنع وإن خير اختار ترك التصرف إلا أن يكون ناقص المعرفة.
وفي "المثنوى" :
ما كه باشيم اي تومارا جان جان
تاكه ما باشيم باتو درميان
دست نى تادست جنباند بدفع
نطق نى تادم زند از ضر ونفع
يش قدرت خلق جمله باركه
عاجزان ون يش سوزن كاركه
وفي الحديث :"رحم الله أخي لوطاً كان يأوى إلى ركن شديد" وهو نصر الله ومعونته.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٨
واختلف في معناه.
فقال الكاشفي، يعني :(بخداي ناه كرفت وخدا اورايارى دادكه ملجأ درماندكان جزدركاه اونيست) :
آستانش كه قبله همه است
هركه دل درحمايتش بستست
ازغم هردوكون وارستست