وقال ابن الشيخ : أي : كان يريد أو يتمنى أن يأوي إلى ركن شديد وفي قوله :"رحم الله" إشارة إلى أن هذا الكلام من لوط ليس مما ينبغي من حيث إنه يدل على قنوط كلي ويأس شديد من أن يكون له ناصر ينصره، والحال أنه لا ركن أشد من الركن الذي كان يأوى إليه، أليس الله بكافٍ عبده انتهى.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما ما بعث الله نبياً بعد لوط إلا في عز من قومه، يعني : استجيب دعوته
١٦٨
ضرورة، وكان صلى الله عليه وسلّم يحميه قبيلته كأبي طالب فإنه كان يتعصب للنبي ويذب عنه دائماً وإنما اضطر إلى الهجرة بعد وفاته ـ ـ روي ـ ـ أن لوطاً أغلق بابه دون أضيافه حين جاؤوا وأخذ يحاولهم من وراء الباب، فتسوروا الجدار فلما رأت الملائكة ما بلوط من الكرب.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٨
﴿قَالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَا فَأَسْرِ﴾ ولا مكروه ولن يخزوك فينا وإن ركنك شديد فافتح الباب ودعنا، وإياهم، ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبرائيل ربه تعالى في عقوبتهم، فأذن له، فقام في الصورة التي يكون فيها فنشر جناحه وله جناحان وعليه وشاح من در منظوم وهو براق الثنايا فضرب بجناحه وجوههم فطمس أعينهم وأعماهم كما قال تعالى : فطمسنا أعينهم فصاروا لا يعرفون الطريق فخرجوا وهم يقولون النجاء النجاء فإن في بيت لوط سحرة وهددوا لوطاً، وقالوا : مكانك حتى نصبح فأسر بأهلك الإسراء بالفارسية (رفتن بشب) وهو لازم ومتعد وكذا السرى فإن معناه (رفتن بشب) والمصدر على فعل خص به المعتل كما في التهذيب والمعنى كما قال الكاشفي :(ببركسان خودرا) بقطع من الليل القطع في آخر الليل.
وقال ابن عباس : بطائفة من الليل، والمعنى (بار شب يعني بعد از كذشتن برخى ازشب) فالباء في باهلك للتعدية ويجوز أن تكون للحال، أي : مصاحباً بهم وفي قوله بقطع للحال أي : مصاحبين بقطع على أن المراد به ظلمة الليل، وقيل الباء فيه بمعنى في، أي : أخرجوا ليلاً لتستبقوا نزول العذاب الذي موعده الصبح ولا يلتفت منكم أحد منك ومن أهلك أي : لا يتخلف ولا ينصرف عن امتثال المأمور به، أو لا ينظر إلى ورائه فالظاهر على هذا أنه كان لهم في البلد أموال وأقمشة وأصدقاء، فالملائكة أمروهم بأن يخرجوا ويتركوا تلك الأشياء ويقطعوا تعلق قلوبهم كما قال في التأويلات النجمية : ولا يلتفت منكم أحد إلى ما هم فيه من الدنيا وزينتها ومتاعها أراد به تجرد الباطن عن الدنيا وما فيها فإن النجاة من العذاب والهلاك منوط به انتهى وفي الحديث : اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم أي : أنفذها وتممها لهم ولا تمسهم في بلدة هاجروا منها لئلا ينتقض الثواب بالركون إلى الوطن.
قال أبو الليث في تفسيره : جمع لوطاً أهله وابنتيه ريثا ورعورا فحمل جبريل لوط وبناته وماله على جناحه إلى مدينة زغر، وهي إحدى مدائن لوط وهي خمس مدائن، وهي على أربع فراسخ من سدوم ولم يكونوا على مثل عملهم انتهى ويخالفه الأمر بالإسراء كما لا يخفى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٩
وقال في بحر العلوم : وإنما نهوا عن الالتفات لئلا يروا ما ينزل بقومهم من العذاب فيرقوا لهم ويجوز أن يكون النهي عن الالتفات كناية عن مواصلة السير وترك التوقف ؛ لأن من يلتفت إلى ما وراءه لا بد له من أدنى وقفة إلا امرأتك استثناء من قوله تعالى : فأسر بأهلك إنه أي : الشان مصيبها ما أصابهم من العذاب :
بابدان يا ركشت همسر لوط
خاندان نبوتش كم شد
يعني : وقعت أهل بيت نبوته في الضلالة فهلكت، والمراد امرأته فإنها مع تشرفها بالإضافة إلى بيت النبوة لما اتصلت بأهل الضلالة صارت ضالة : وأدّى ضلالها وكفرها إلى الهلاك معهم ففيه تنبيه على أن لصحبة الأغيار ضرراً عظيماً إن موعدهم الصبح أي : موعد عذابهم وهلاكهم وهو تعليل للأمر بالإسراء والنهي عن الالتفات المشعر بالحث على الإسراع كما في الإرشاد وروى
١٦٩
أنه قال للملائكة : متى موعدهم؟ قالوا : الصبح فقال : أريد أسرع من ذلك فقالوا : أليس الصبح بقريب (آيا نيست صبح نزديك نفي نزديكست)، وإنما جعل ميقات هلاكهم الصبح لأنه وقت الدعة والراحة فيكون حلول العذاب حينئذٍ أفظع، ولأنه أنسب بكون ذلك عبرة للناظرين.
وفيه إشارة إلى أن صبح يوم الوفاة قريب لكل أحد فإذا أدركه، فكأنه لم يلبث في الدنيا إلا ساعة من نهار.
قال السعدي قدس سره :
را دل برير كاروان مى نهيم
كه ياران برفتند وما بررهيم
س اي خاكساركنه عن قريب
سفر كرد خواهى بشهر غريب
برين خاك جندان صبا بكذرد
كه هرذره از ما بجايى برد
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٦٩
﴿فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا﴾ أي : وقت عذابنا وموعده وهو الصبح جعلنا بقدرتنا الكاملة عاليها أي : عالي قرى قوم لوط وهي التي عبر عنها بالمؤتفكات وهي أربع مدائن فيها أربعمائة ألف أو أربعة آلاف.