﴿وَإِلَى مَدْيَنَ﴾ هو اسم ابن إبراهيم عليه السلام ثم صار اسماً للقبيلة، أو اسم مدينة بناها مدين فسميت باسمه، أي : وأرسلنا إلى قبيلة مدين أو ساكني بلدة مدين.
أخاهم أي : واحداً منهم في النسب.
شعيباً عطف بيان له وهو ابن ميكيل بن يشجر بن مدين قال استئناف بياني يا قوم (اي كروه من) اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً من الأصنام ؛ لأنه مالكم من إله غيره أي : ليس لكم إله سوى الله تعالى وكانت كلمة جميع الأنبياء في التوحيد واحدة فدعوا إلى الله الواحد
١٧١
وعبادته، فأمرهم شعيب بالتوحيد أولاً لأنه ملاك الأمر وقوامه ثم نهاهم عما اعتادوه من النقص في الكيل والوزن لأنه يورث الهلاك فقال : ولا تنقصوا المكيال والميزان أي : آلة الوزن والكيل وكان لهم مكيالان وميزانان أحدهما أكبر من الآخر فإذا اكتالوا على الناس يستوفون بالأكبر، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون بالأصغر، والمراد لا تنقصوا حجم المكيال عن المعهود، وكذا الصنجات كي تتوسلوا بذلك إلى بخس حقوق الناس ويجوز أن يكون من ذكر المحل وإرادة الحال، والمعنى بالفارسية (مكاهيد وكم مكنيد يمانه را در يمودن ميكلات وترازورا در سنجيدن موزونات) وكل من البخسين شائع في هذا الزمان أيضاً، كأنه ميراث من الكفرة الخائنين إني أرايكم بخير علة للنهي أي : ملتبسين بثروة وسعة تغنيكم عن التطفيف.
يعني (درمانده ومحتاج نيستيدكه داعي باشد شمارا بخيانت بلكه منعم وتوانكريد رسم حق كزارى آنست كه مردم را از مال خود بهره مند كنيد نه آنكه از حقوق ايشان باز كيريد).
وإني أخاف عليكم إن لم ترجعوا عن ذلك النقص عذاب يوم محيط لا يشذ منه أحد منكم، والمراد منه عذاب يوم القيامة أو عذاب الاستئصال ووصف اليوم بالإحاطة وهي حال العذاب لاشتماله عليه ففيه إسناد مجازي، وأصل العذاب في كلام العرب من العذب، وهو المنع وسمى الماء عذباً لأنه يمنع العطش والعذاب عذاباً لأنه يمنع المعاقب من معاودة مثل جرمه ويمنع غيره من مثل فعله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧١
ويا قوم أوفوا المكيال والميزان إيفاء الحق إعطاؤه تاماً كاملاً، أي : اسعوا في إعطاء الحق على وجه التمام والكمال بحيث يحصل لكم اليقين بالخروج عن العهدة بالقسط حال من فاعل أوفوا، أي : ملتبسين بالعدل والتسوية من غير زيادة ولا نقصان فإن الزيادة في الكيل والوزن، وإن كانت تفضلاً مندوباً إليه لكنها في الآلة محظورة كالنقص فلعل الزائد للاستعمال عند الاكتيال والناقص للاستعمال وقت الكيل كذا في الإرشاد.
وصرح بالإيفاء بعد النهي عن ضده ؛ لأن النهي عن نقص حجم المكيال وصنجات الميزان والأمر بإيفاء المكيال والميزان حقهما بأن لا ينقص في الكيل والوزن وهذا الأمر بعد مساواة المكيال والميزان للمعهود فلا تكرار في الآية كما في حواشي سعدي المفتي.
ولا تبخسوا الناس أشياءهم مطلقاً أي : سواء كانت من جنس المكيل والموزون أو من غيره وسواء كانت جليلة أو حقيرة، وكانوا يأخذون من كل شيء يباع شيئاً كما يفعل السماسرة ويمكنون الناس وينقصون من أثمان ما يشترون من الأشياء ولا تعثوا في الأرض مفسدين العثي أشد الفساد أي : ولا تتمادوا في الفساد في حال فسادكم، لأنهم كانوا متمادين فيه فنهوا عن ذلك ومن الفساد نقص الحقوق، ومن الإفساد قص الدراهم والدنانير وترويج الزيوف ببعض الأسباب وغير ذلك.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧١
[هود : ٨٦-٢٧٦]﴿بَقِيَّتُ اللَّهِ﴾ أي : ما أبقاه الله لكم من الحلال بعد ترك الحرام، فهي فعيلة بمعنى المفعول وإضافتها للتشريف كما في بيت الله وناقة الله، فإن ما بقي بعد إيفاء الكيل والوزن من الرزق الحلال يستحق التشريف.
خير لكم مما تجمعون بالبخس والتطفيف فإن ذلك هباء منثور بل شر محض وإن زعمتم أن فيه خيراً، كما قال تعالى : يمحق الله الربا ويربى الصدقات}(البقرة : ٢٧٦).
قال في "شرح الشرعة" :
١٧٢
ولا يخون أحد في مبايعته بالحيل والتلبيس فإن الرزق لا يزيد بذلك بل تزول بركته فمن جمع المال بالحيل حبة حبة، يهلكه الله جملة قبة قبة، ويبقى عليه وزره ذرة ذرة، كرجل كان يخلط اللبن بالماء ليرى كثيراً فجاء السيل وقتل بقره فقالت : صبيته يا أبتِ قد اجتمع المياه التي جعلتها في اللبن وقتلت البقر ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ بشرط أن تؤمنوا، وإنما شرط الإيمان في خيرية ما بقي بعد الإيفاء ؛ لأن فائدته وهي حصول الثواب والنجاة من العقاب إنما تظهر مع الإيمان فإن الكافر مخلد في عذاب النيران ومحروم من رضوان وثواب الرحمن سواء، أو في الكيل والميزان أو سلك سبيل الخوّان إن كنتم مصدقين لي في مقالتي لكم وما أنا عليكم بحفيظ أي : ما بعثت لأحفظكم عن المعاصي والقبائح وإنما بعثت مبلغاً ومنبهاً على الخير وناصحاً وقد بلغت.
من آنه شرط بلاغست باتو ميكويم
توخواه از سختم ند كير وخواه ملال