اعلم أن العدل ميزان الله في الأرض سواء كان في الأحكام أو في المعاملات والعدول عنه يؤدي إلى مؤاخذة العباد فينبغي أن يجتنب الظلم والمراد بالظلم أن يتضرر به الغير والعدل إن لا يتضرر منه أحد بشيء كما قال عكرمة : أشهد أن كل كيال ووزان في النار، قيل له فمن أو في الكيل والميزان؟ قال : ليس رجل في المدينة يكيل كما يكتال ولا يزن كما يتزن، والله تعالى يقول : ويل للمطففين}(المطففين : ١).
وقال سعيد بن المسيب : إذا أتيت أرضاً يوفون المكيال والميزان فأطل المقام فيها، وإذا أتيت أرضاً ينقصون المكيال والميزان فأقل المقام فيها وفي الحديث :"ما ظهر الغلول في قوم إلا ألقى الله في قلوبهم الرعب ولا فشا الزنى في قوم إلاكثر فيهم الموت، ولا نقص قوم المكيال والميزان إلا قطع الله عنهم الرزق ولا حكم قوم بغير حق إلا فشا فيهم الدم ولا ختر قوم بالعهد إلا سلط الله عليهم العدو" قوله : ولا ختر أي : غدر ونقض العهد كما في "الترغيب".
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٢
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَلا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ﴾ أي : مكيال المحبة وميزان الطلب فإن للمحبة مكيالاً وهو عداوة ما سوى الله تعالى كما قال الخليل : عند إظهار الخلة فإنهم عدولي إلارب العالمين، فإنك أن تحب أحداً وشيئاً مع الله فقد نقصت في مكيال محبة الله وإن للطلب ميزاناً وهو السير على قدمي الشريعة والطريقة، كما قيل : خطوتان وقد وصلت فإن خطوت خطوتين دونهما فقد نقصت من الميزان انتهى.
فعلى السالك أن يتأدب بآداب الأولياء والأنبياء ويضع القدم في هذا الطريق الأولى كما أمر به وشرط له ولا بد من الأمانة والاستقامة، وإيتاء كل ذي حق حقه قائماً بالعدل والقسط القويم وازناً بالقسطاط المستقيم كائلاً بالكيل السليم، فعند ذلك يتفضل له المولى بالقبول والمدح في الدنيا والثواب والأنعام في الآخرة فيعيش سعيداً ويموت سعيداً، وأما إذا غدر وظلم وخان واستكبر وأصر يعدل له المولى بالرد والذم في الدنيا، والعقاب والانتقام في الآخرة إن لم يتداركه الفضل والعفو فيعيش شقياً، ويموت شقياً ويحشر شقياً.
وفي المثنوى :
ون ترازوى توك و دغا
راست ون جوئى ترازوى جزا
ونكه اي ب بود در غدر وكاست
نامه ون آيد ترا در دست راست
١٧٣
ون جزا سايه است اي قد توخم
سايه توك فتد در يش هم
قالوا يا شعيب (آورده اندكه انبيا برد وقسم بوده اند بعضي آنكه ايشانرا فرمان حرب بود ون موسى وداود وسليمان عليهم السلام وبرخى آنكه ايشانرا بحرب نفر مودند وشعيب ازان جمله بودكه رخصت حرب نداشت قوم خودرا موعظه ميكفت وخودهمه شب نمازمى كرد كفتند قوم اوكه اي شعيب) أصلوتك (آيا نمازتو) تأمرك أسندوا الأمر إلى صلاته قصداً إلى الاستهزاء، فمرادهم السخرية لا حقيقة الاستفهام.
والمعنى : أصلاتك تدعوك إلى أمرنا أن نترك ما يعبد آباؤنا من الأوثان، وقد توارثنا عبادتها أباً عن جد أجابوا بذلك أمره عليه السلام إياهم بعبادة الله وحده المتضمن لنهيهم عن عبادة الأوثان، أو أن نفعل في أموالنا ما نشؤاه جواب عن أمره بإيفاء الحقوق ونهيه عن البخس والنقص معطوف على ما، وأو بمعنى الواو لأن ما كلفهم به شعيب هو مجموع الأمرين لاأحدهما.
والمعنى أن نترك أن نفعل في أموالنا ما نشاء من التصرفات.
وقال بعضهم : كان ينهاهم عن تقطيع أطراف الدراهم والدنانير وقصها فأرادوا به ذلك.
والمعنى ما نشاء من تقطيعها.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٢
واعلم أن أول من استخرج الحديد والفضة والذهب من الأرض هو شنك في عصر إدريس عليه السلام، وكان ملكاً صالحاً داعياً إلى الإسلام، وأول من وضع السكة على النقدين الضحاك وإفساد السكة بأي وجه كان إفساد في الأرض.
وسئل الحجاج عما يرجو به النجاة فذكر أشياء منها ما أفسدت النقود على الناس إنك لأنت الحليم الرشيد الأحمق السفيه بلغة مدين كما في ربيع الأبرار.
وقال في الكواشي : تتعاطى الحلم والرشد ولست كذلك، أي : ما أنت بحليم ولا رشيد فيما تأمرنا وترشدنا إليه.
وقال أكثر أهل التفسير : أرادوا السفيه الضال الغاوي فتهكموا به كما يتهكم بالشحيح، فيقال : لو أبصرك حاتم لتعلم منك الجود.
وبالمستجهل والمستخف فيقال : يا عالم يا حليم، فهو إذاً من قبيل الاستعارة التبيعة نزلوا التضاد منزلة التناسب على سبيل الهزؤ فاستعاروا الحلم والرشد للسفه والغواية ثم سرت الاستعارة منهما إلى الحليم الرشيد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٢