قال شعيب يا قَوْمِ أَرَءَيْتُمْ} أخبروني إن كنت إيراد حرف الشك باعتبار حال المخاطبين ﴿عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّى﴾ أي : حجة واضحة وبرهان نير من مالك أمري عبر بهما عما أتاه الله تعالى من النبوة والحكمة رداً على مقالتهم الشنعاء في جعلهم أمره ونهيه غير مستند إلى سند ورزقني منه أي : من لدنه رزقاً حسناً هو النبوة والحكمة أيضاً عبر عنهما بذلك تنبيهاً على أنهما مع كونهما بينة رزق حسن كيف لا وذلك مناط الحياة الأبدية له ولأمته.
وقال بعضهم : هو ما رزقه الله من المال الحلال من غير شائبة حرام، أي : من غير بخس وتطفيف وكان كثير المال، وجواب الشرط محذوف لأن إثباته في قصة نوح ولوط دل على مكانه ومعنى الكلام ينادي عليه، والمعنى أخبروني إن كنت على حجة واضحة ويقين من ربي وكنت نبياً على الحقيقة فهل يصح لي أن أتبعكم وأشوب الحلال بالحرام ولا آمركم بتوحيد الله وترك عبادة الأصنام والكف عن المعاصي، والقيام بالقسط والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك.
وما أريد بنهيي إياكم عن التطفيف أن أخالفكم مخالفتكم حال كوني مائلاً إلى ما أنهيكم عنه يقال : خالفت
١٧٤
زيداً إلى كذا إذا قصدته، وهو مول عنه وخالفته عنه إذا كان الأمر بالعكس، أي : لا أنهى عن شيء وارتكبه من نقصان الكيل والوزن، أي : اختار لكم ما اختار لنفسي فإنه ليس بواعظ من يعظ الناس بلسانه دون عمله.
قال في الإحياء : أوحى الله تعالى إلى عيسى عليه السلام يا ابن مريم عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني.
قال الحافظ :
واعظان كين جلوه در محراب ومنبر ميكنند
ون بخلوت ميروند آن كار ديكر ميكنند
مشكلي دارم زدانشمند مجلس باز رس
توبه فرمايان راخود توبه كمتر ميكنند
إن أريد أي : ما أريد بما أباشره من الأمر والنهي.
إلا الإصلاح إلا أن أصلحكم بالنصيحة والموعظة ما استطعت أي : مقدر ما استطعته من الإصلاح.
قال في بحر العلوم : ما مصدرية واقعة موقع الظرف أي : مدة استطاعتي الإصلاح وما دمت متمكناً منه لا أترك جهدي في بيان ما فيه مصلحة لكم.
قال السعدي قدس سره :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٤
بكوى آنه دانى سخن سودمند
وكر هي كس را نيايد سند
وما توفيقي مصدر من المبني للمفعول أي : كوني موفقاً لتحقيق ما أقصده من إصلاحكم إلا بالله إلا بتأييده ومعونته بل الإصلاح من حيث الخلق مستند إليه وإنما أنا من مباديه الظاهرة.
والتوفيق يعدى بنفسه وباللام وبالباء، وهو تسهيل سبل الخير وأصله موافقة فعل الإنسان القدر في الخير والاتفاق هو موافقة فعل الإنسان خيراً كان أو شراً القدر.
وقال في التأويلات النجمية : التوفيق اختصاص العبد بعناية أزلية ورعاية أبدية عليه توكلت اعتمدت في ذلك معرضاً عما عداه، فإنه القادر على كل مقدور وما عداه عاجز محض في حد ذاته بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار بمعزل عن رتبة الاستمداد به في الاستظهار وإليه أنيب أي : ارجع فيما أنا بصدده في جميع أموري ويجوز أن يكون المراد وما كوني موفقاً لإصابة الحق والصواب في كل ما آتى وما أذر إلا بهدايته ومعونته، عليه توكلت وهو إشارة إلى محض التوحيد الذي هو أقصى مراتب العلم بالمبدأ وإليه أنيب أي : عليه أقبل بشرا شر نفسي في مجامع أموري.
وفيه إشارة إلى معرفة المعاد، والتوكل على ثلاثة أوجه، توكل المبتدى وهو ترك الأسباب في طلب المعاش، وتوكل المتوسط وهو ترك طلب المعاش في طلب العيش مع الله، وتوكل المنتهى وهو استهلاك الوجود في وجود الله وإفناء الاختيار في اختيار الله ليبقى في هويته بلا هو متصرفاً في الأسباب وإن لا يرى التصرف والأسباب إلا لمسبب الأسباب.
قال في التأويلات القاشانية : أول مراتب التوحيد توحيد الأفعال، ثم توحيد الصفات، ثم توحيد الذات فإن الذات محجوبة بالصفات، والصفات بالأفعال، والأفعال بالآثار والأكوان، فمن تجلت عليه الأفعال بارتفاع حجب الأكوان توكل، ومن تجلت عليه الصفات بارتفاع حجب الأفعال رضى وسلم، ومن تجلت عليه الذات بانكشاف حجب الصفات فهو في الوجدة فصار موحداً مطلقا انتهى.
تا نخوانى لا و إلا الله را
درنيابى منهج اين راه را
عشق آن شعله است كوون برفروخت
هره جز معشوق باقي حمله سوخت
تيغ لا در قتل غير حق براند
درنكر آخر كه بعداز لا ه ماند
١٧٥
ماند إلا الله وباقي جمله رفت
شادباش اي عشق شركت سوز ورفعت
فعلى العاقل أن يجتهد في طريق الحق بالأذكار النافعة والأعمال الصالحة إلى أن يصل إلى مقام التوحيد الحقيقي، ثم إذا وصل إليه اقتفى بأثر الأنبياء وكمل الأولياء في طريق النصح والدعوة ولم يرد إلا الإصلاح تكثيراً للاتباع المحمدية، وتقويماً لأركان العالم بالعدل ونظماً للناس في سلك الرشاد، والله ولي الإرشاد وهو المبدأ وإليه الرجوع والمعاد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٤