﴿وَيَـاقَوْمِ﴾ (اي كروه من) ﴿وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ﴾ يقال : جرم زيد ذنباً، أي : كسبه وجرمته ذنباً، أي : اكسبته إياه فهو يتعدى إلى واحد وإلى اثنين، والأول في الآية الكاف والميم.
والمعنى لا يكسبنكم شقاقي فاعل لا يجر منكم ويقال : جرمني فلان على أن صنعت كذا، أي : حملني فيقدر حرف الجر بعد أن.
والمعنى لا يحملنكم بغضكم إياي على أن يصيبكم.
قال الكاشفي :(شما بران نداد ودشمني وستيزه كارى بامن كه برسد شمارا) مثل فاعل أن يصيب مضاف إلى قوله ما أصاب قوم نوح من الغرق أو قوم هود من الريح أو قوم صالح من الصيحة وما قوم لوط قال الجوهري : القوم بذكر ويؤنث منكم ببعيد يعني أنهم أهلكوا بسبب الكفر والمعاصي في عهد قريب من عهدكم فهم أقرب الهالكين منكم فإن لم تعتبروا بمن قبلهم من الأمم المعدودة فاعتبروا بهم ولا تكونوا مثلهم كيلاً يصيبكم مثل ما أصابهم.
والإشارة : إن في طبيعة الإنسان مركوزاً من صفات الشيطنة الإباء والاستكبار ومن طبعه أنه حريص على ما منع كما أن آدم عليه السلام لما منع من أكل الشجرة حرص على أكلها فلهاتين الصفتين إذا أمر بشيء أبى واستكبر، وإذا نهي عن شيء حرص على إتيانه لا سيما إذا صدر الأمر والنهي عن إنسان مثله، فإن طاعة الله هينة القبول بالنسبة إلى طاعة المخلوق لأن في الطاعة ذلة وهواناً وكسرا للنفس، وإن ما يحتمل المخلوق من خالقه أكثر مما يحتمله من مخلوق مثله ولهذا السر بعث الله الأنبياء وأمر الخلق بطاعتهم وقال : أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم}(النساء : ٥٩) فمن كان موفقاً من الله تعالى بالعناية الأزلية يأتمر بما أمر به، وينتهي عما نهى عنه ويطيع الرسل فيما جاؤوا به، أخرجته الطاعة من ظلمات صفاته المخلوقة إلى نور صفاته الخالقية ومن سبقته الشقاوة في الأزل تداركه الخذلان ووكل إلى نفسه وطبعه فلا يطيع الله ورسوله ويتمرد عن قبول الدعوة ويستكبر على الرسول ويعاديه بمعاداته ما أمره الله به فيصيبه قهر الله وعذابه ﴿مِّثْلُ مَآ أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَـالِحٍا وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ﴾ أي : وما معاملة قوم لوط من معاملتكم وذنوبهم من ذنوبكم ببعيد لأن الكفر كله من جنس واحد، وصفات الكفر قريب بعضها من بعض كذا في التأويلات النجمية.
قال في المثنوى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٦
س وصيت كرد وتخم وعظ كاشت
ون زمين شان شوره بدسودى نداشت
كره ناصح را بود صد داعيه
ندرا أذنى ببايد واعيه
توبصد تلطيق وندش ميدهى
اوز ندت ميكند هلوتهى
يك كس نا مستمع زاستيز ورد
صد كس كوينده را عاجز كند
١٧٦
زانبينا ناصحتر وخوش لهجه تر
كى بودكه رفت دمشان درحجر
زانه كوه وسنك دركار آمدند
مى نشد بدبحت را بكشاده بند
آننان دلها كه بدشان ما ومن
نعتشان شد بل أشد قسوة
واستغفروا ربكم بالإيمان ثم توبوا إليه مما أنتم عليه من المعاصي وعبادة الأوثان لأن التوبة لا تصح إلا بعد الإيمان أو استغفروا بالإيمان، ثم ارجعوا إليه بالطاعة، أو استغفروا بالأعمال الصالحة وتوبوا بالفناء التام.
قال في التأويلات النجمية : واستغفروا من صفات الكفر ومعاملاته كلها وبدلوها بصفات الإسلام ومعاملاته فإنها تزكية النفوس عن الصفات الذميمة، ثم ارجعوا إليه على قدمي الشريعة والطريقة سائرين منكم إليه ليحليكم بتحلية الحقيقة، وهي الفناء عنكم والبقاء به.
إن ربي رحيم عظيم الرحمة للمؤمنين والتائبين.
ودود فاعل بهم من اللطف والإحسان كما يفعل البليغ المودة بمن يوده.
قال في المفاتيح الودود : مبالغة الوادّ ومعناه الذي يحب الخير لجميع الخلائق ويحسن إليهم في الأحوال كلها، وقيل المحب لأوليائه، وحاصله يرجع إلى إرادة مخصوصة وحظ العبد منه أن يريد للخلق ما يريد لنفسه، ويحسن إليهم حسب قدرته ووسعته، ويحب الصالحين من عباده، وأعلى من ذلك من يؤثرهم على نفسه كمن قال منهم : أريد أن أكون جسراً على النار يعبر عليه الخلق ولا يتأذون بها كما في المقصد الأسنى للغزالي.
قال الكاشفي في تفسيره :(قطب الأبرار مولانا يعقوب رخى قدس سره در شرح أسماء الله تعالى معنى الودود درا برين وجه آورده است كه دوست دارنده نيكى بهمه خلق ودوست دردلهاى بحق يعني أونيك را دوست ميداردونيكان اورا دوست ميدارند وفي الحقيقة دوستى ايشان فرع دوستى اوست زيراكه ون بنظر تقحيق درنكر نداصل حسن واحسان كه سبب محبت مى باشد غير اورا ثابت نيست سر خود خودرا دوست ميداردوازين باب نكتة ندد رآيت يحبهم ويحبونه}(المائدة : ٥٤) بر منظر عيان جلوه نمود وللوالد الأعز زيدت حقائقه :
اين حسن توداده يوسفانرا خوبى
وز عشق توكرده عاشقان يعقوبى
كرنكي نظر كند كسى غير تونيست
در مرتبه محبي ومحبوبي
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٧٦


الصفحة التالية
Icon