واعلم أن الورود عبارة عن المجيء إلى الماء والإيراد إحضار الغير والمورد الماء فشبه فرعون بالفارط الذي يتقدم الواردة إلى الماء واتباعه بالواردة والنار بالماء الذي يردونه ثم قيل وبئس الورد المورود أي : بئس المورد الذي يردونه النار ؛ لأن الورد إنما يورد لتسكين العطش وتبريد الأكباد والنار على ضد ذلك.
وأُتبعوا أي : الملأ الذين اتبعوا أمر فرعون.
في هذه أي : في الدنيا لعنة لعنة عظيمة حيث لعنهم من بعدهم من الأمم.
ويوم القيامة أي : حيث يلعنهم أهل الموقف قاطبة فهي تابعة لهم حيثما ساروا دائرة معهم أينما داروا فكما اتبعوا أمر فرعون اتبعتهم اللعنة في الدارين جزاء وفاقاً أو يلعنون ويطردون من رحمة الله تعالى في الدنيا بالغرق والآخرة بما فيها من عذاب، فإن كل معذب ملعون مطرود من الرحمة كما أن كل مخذول محروم من التوفيق والعناية كذلك واكتفى ببيان حالهم الفظيع عن بيان حال فرعون ؛ إذ حين كان حالهم هكذا فما ظنك بحال من أغواهم والقاهم في هذا الضلال البعيد وحيث كان شأن الاتباع أن تكون أعواناً للمتبوع جعلت اللعنة رفداً لهم على طريقة التهكم فقيل بئس الرفد المرفود الرفد قد جاء بمعنى العون وبمعنى العطية والملائم هنا هو الأول.
قال الزجاج : كل شيء جعلته عوناً لشيء وأسندت به شيئاً فقد رفدته، والمعنى بئس العون المعان رفدهم وهي اللعنة في الدارين وذلك أن اللعنة في الدنيا رفد للعذاب ومدد له وقد رفدت باللعنة في الآخرة، وفي الآية بيان شقاء فرعون وإنه لم ينفعه إيمانه حين الغرق ولو نفعه لما كان قائد قومه إلى النار.
وفي الفتوحات في الباب الثاني والستين : المجرمون أربع طوائف كلها في النار لا يخرجون منها : وهم المتكبرون على الله تعالى، كفرعون وأمثاله ممن ادعى الربوبية لنفسه ونفاها عن الله تعالى فقال : يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري}(القصص : ٣٨) وقال :﴿أَنَا رَبُّكُمُ الاعْلَى﴾ يريد أنه ليس في السماء إله غيري وكذلك نمرود وغيره.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٣
وقال في الفتوحات : في موضع آخر هو معتقدي وغير هذا قلت على سبيل البحث والاستكشاف انتهى.
وعلى هذا يحمل ما في فصوص الحكم من كونه مقبوضاً على الطهارة فتدبر وأمسك لسانك عن الشيخ فإن لكلمات الكبار محامل كثيرة، والقرآن لا ينقضى عجائبه وهي بكر بالنسبة إلى أرباب الرسوم، هدانا الله وإياكم إلى حقيقة العلم والعمل
١٨٣
وأرشدنا وإياكم إلى طريقة الكمل.
وفي الآية أيضاً ذم لاتباع أهل الهوى وصحبة أهل الفسق فإن العرق دساس والطبع جذاب والمقارنة مؤثرة والأمراض سارية.
اي فغان ازيارنا جنس اي فغان
همنشين نيك جوئيد اي مهان
وفي الحديث : لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فهو منهم وليس منا أي : لا تسكنوا مع المشركين في المسكن الواحد ولا تجتمعوا معهم في المجلس الواحد حتى لا يسرى إليكم أخلاقهم الخبيثة وسيرهم القبيحة بحكم المقارنة، فقوم فرعون لما اتبعوا فرعون أوردهم النار ولو اتبعوا موسى لأوردهم الجنة.
وفي المثنوى :
اي خنك آن مرده كز خو درسته شد
در وجود زنده يوسته شد
سيل ون آمد بدريا بحر كشت
دانه ون آمد بمزرع كشت كشت
ون تعلق يافت نان بأبو البشر
نان مرده زنده كشت وباخبر
موم وهيزم ون فداي نارشد
ذات ظلمانى أو أنوار شد
سنك سرمه ونكه شد در ديدكان
كشت بينائي شد آنجا ديده بان
واي آن زنده كه بامرده نشست
مرده كشت وزندكى ازوى بجست
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٨٣
﴿ذَالِكَ﴾ أي الخبر السابق يامحمد من أنباء القرى بعض أنباء القرى المهلكة بما جنت أيدي أهلها نقصه عليك خبر بعد خبر، أي مقصوص عليك ليكون فيه دلائل نبوتك.
منها أي من تلك القرى قائم باقٍ أثره وجدرانه كالزرع القائم على ساقه مثل ديار عاد وثمود وحصيد مبتدأ حذف خبره، أي : ومنها عافي الأثر كالزرع المحصود مثل بلاد قوم نوح ولوط.
وقال الكاشفي :(قائم باقيست وآبادان وحصيد مفقوداست يا خراب).
وفي التأويلات النجمية من الأجساد ما هو قائم قابل لتدارك ما فات عنها وإصلاح ما أفسد النفس منها ومنها ما هو محصود بمحصد الموت مأيوس من التدارك.